للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَجُرُّ إِلَى الْكُفْرِ وَالتَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ، وَيُسَاعِدُ عَلَى هَذَا قَسْوَةُ الْقَلْبِ، وَطُولُ الْأَمَلِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [٥٧ \ ١٦] .

تَنْبِيهٌ آخَرُ

إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، نَصَّ عَلَى الْإِنْسَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ كَالْإِنْسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ [٤٦ \ ١٨] .

وَتَقَدَّمَ بَيَانُ تَكْلِيفِ الْجِنِّ بِالدَّعْوَةِ وَاسْتِجَابَتِهِمْ لَهَا وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.

هَذَا هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنَ الْإِنْسَانِ الْمُتَقَدِّمِ، مِمَّا دَلَّ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَالْإِيمَانُ لُغَةً التَّصْدِيقُ وَشَرْعًا الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ بِأَرْكَانِ الْإِيمَانِ السِّتَّةِ، فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ.

" وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ": الْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ.

وَلِذَا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي تَعْرِيفِ الْإِيمَانِ، وَمَقَالَاتُهُمْ مَعْرُوفَةٌ.

وَالْجُمْهُورُ: أَنَّ الْإِيمَانَ اعْتِقَادٌ بِالْجَنَانِ، وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ.

فَالْعَمَلُ دَاخِلٌ فِيهِ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا: أَنَّ الْعَمَلَ شَرْطٌ أَقْرَبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا، أَيْ أَنَّ الْإِيمَانَ يَصْدُقُ بِالِاعْتِقَادِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى الْعَمَلِ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ شَرْطٌ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْإِيمَانِ، إِذَا تَمَكَّنَ الْعَبْدُ مِنَ الْعَمَلِ، وَمِمَّا يَدُلُّ لِكَوْنِ الْإِيمَانِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ الِاعْتِقَادِ وَالنُّطْقِ، وَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْعَبْدُ مِنَ الْعَمَلِ، قِصَّةُ الصَّحَابِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ عِنْدَ بَدْءِ الْمَعْرَكَةِ، وَقَاتَلَ، وَاسْتَشْهَدَ وَلَمْ يُصَلِّ لِلَّهِ رَكْعَةً، فَدَخَلَ الْجَنَّةَ.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الِاعْتِقَادِ لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ، كَمَا كَانَ يَعْتَقِدُ عَمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِحَّةَ رِسَالَتِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ كَلِمَةً يُحَاجُّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، وَكَذَلِكَ لَوِ اعْتَقَدَ وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَلَمْ يَعْمَلْ كَانَ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>