للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَعْضُهُمْ: «سُورَةُ الْبَقَرَةِ» لِي، وَيَقُولُ الْآخَرُ: «سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ» لِي، إِلَى أَنْ قَالَ: الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [١٥ \ ٨٩] ، أَيْ: وَأَنْذِرْ قُرَيْشًا مِثْلَ مَا أَنْزَلْنَاهُ مِنَ الْعَذَابِ عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (يَعْنِي الْيَهُودَ) ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَى قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ. جَعَلَ الْمُتَوَقَّعَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِعِ وَهُوَ مِنَ الْإِعْجَازِ ; لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ بِمَا سَيَكُونُ وَقَدْ كَانَ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَشَّافِ.

وَنَقَلَ كَلَامَهُ بِتَمَامِهِ أَبُو حَيَّانَ فِي «الْبَحْرِ الْمُحِيطِ» ثُمَّ قَالَ أَبُو حَيَّانَ:

أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ تَعَلُّقُ: كَمَا [١٥ \ ٩٠] بِ: أَتَيْنَاكَ [١٥ \ ٨٧] ، فَذَكَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي إِيتَاءً كَمَا أَنْزَلْنَا، أَوْ إِنْزَالًا كَمَا أَنْزَلْنَا ; لِأَنَّ «آتَيْنَاكَ» بِمَعْنَى: أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ.

أَيْ: فَاجْهَرْ بِهِ وَأَظْهِرُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: صَدَعَ بِالْحُجَّةِ ; إِذَا تَكَلَّمَ بِهَا جِهَارًا، كَقَوْلِكَ: صَرَّحَ بِهَا.

وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَمَرَ اللَّهُ فِيهَا نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَبْلِيغِ مَا أُمِرَ بِهِ عَلَنًا فِي غَيْرِ خَفَاءٍ وَلَا مُوَارَبَةٍ. وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [٥ \ ٦٧] .

وَقَدْ شَهِدَ لَهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ امْتَثَلَ ذَلِكَ الْأَمْرَ فَبَلَّغَ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [٥ \ ٣] ، وَقَوْلِهِ: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ [٥١ \ ٥٤] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

تَنْبِيهٌ.

قَوْلُهُ: فَاصْدَعْ [١٥ \ ٩٤] ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَصْلُهُ مِنَ الصَّدْعِ بِمَعْنَى الْإِظْهَارِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: انْصَدَعَ الصُّبْحُ: انْشَقَّ عَنْهُ اللَّيْلُ. وَالصَّدِيعُ: الْفَجْرُ لِانْصِدَاعِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ:

تَرَى السَّرْحَانَ مُفْتَرِشًا يَدَيْهِ ... كَأَنَّ بَيَاضَ لَبَّتِهِ صَدِيعُ

أَيْ: فَجْرٌ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: أَظْهِرْ مَا تُؤْمَرُ بِهِ، وَبَلِّغْهُ عَلَنًا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ: صَدَعْتُ الشَّيْءَ: أَظْهَرْتُهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>