اتَّسَمَ بِالْعِلْمِ فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ، وَتَوْقِيرِ أَهْلِهِ، انْتَهَى مِنْهُ. وَذَكَرَ نَحْوَهُ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ ظَانًّا أَنَّهُ أَوْضَحَهُ، وَلَا يَظْهَرُ لِي كُلَّ الظُّهُورِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: فَتُصْبِحُ مَعَ أَنَّ اخْضِرَارَ الْأَرْضِ، قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ صَبِيحَةِ الْمَطَرِ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً أَيْ: تَصِيرُ مُخْضَرَّةً فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَصْبَحَ فُلَانٌ غَنِيًّا مَثَلًا بِمَعْنَى صَارَ، وَذَكَرَ أَبُو حَيَّانَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ بَعْضَ الْبِلَادِ تُصْبِحُ فِيهِ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً فِي نَفْسِ صَبِيحَةِ الْمَطَرِ.
وَذَكَرَ عِكْرِمَةُ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَعَلِيٌّ هَذَا فَلَا إِشْكَالَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ، وَتَعْقِيبُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ كَقَوْلِهِ: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً [٢٣ \ ١٤] مَعَ أَنَّ بَيْنَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ، قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَقَوْلُهُ: لَطِيفٌ خَبِيرٌ أَيْ: لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ، وَمِنْ لُطْفِهِ بِهِمْ إِنْزَالُهُ الْمَطَرَ وَإِنْبَاتُهُ لَهُمْ بِهِ أَقْوَاتَهُمْ، خَبِيرٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لِخَلْقِهِ مَا فِي الْأَرْضِ، وَسَخَّرَ لَهُمُ السُّفُنَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا جَاءَ مُوَضَّحًا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [٤٥ \ ١٣] وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى تَسْخِيرِ مَا فِي السَّمَاءِ بِإِيضَاحٍ فِي سُورَةِ «الْحِجْرِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ [١٥ \ ١٧] ، وَكَقَوْلِهِ: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ [٣٦ \ ٤١ - ٤٢] وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» وَغَيْرِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ وَيَمْنَعُهَا مِنْ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، فَتُهْلِكُ مَنْ فِيهَا، وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَأَذِنَ لِلسَّمَاءِ فَسَقَطَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَأَهْلَكَتْ مَنْ عَلَيْهَا ; كَمَا قَالَ: إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ الْآيَةَ [٣٤ \ ٩] ، وَقَدْ أَشَارَ لِهَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ الْآيَةَ [٣٥ \ ٤١] ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute