للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلِهِ: لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا، عَلَى الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ، مِنْ أَنَّ الْعَامِلَ فِي «إِذَا» هُوَ جَزَاؤُهَا؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ لَامَ الِابْتِدَاءِ فِي قَوْلِهِ: لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا، مَانِعَةٌ مِنْ عَمَلِ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: الْيَوْمَ لَزَيْدٌ قَائِمٌ ; تَعْنِي لَزَيْدٌ قَائِمٌ الْيَوْمَ، وَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ حَرْفَ التَّنْفِيسِ الَّذِي هُوَ سَوْفَ مَانِعٌ مِنْ عَمَلِ مَا بَعْدَهُ فِيمَا قَبْلَهُ أَيْضًا، حَتَّى إِنَّهُ عَلَى قِرَاءَةِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ: «أَئِذَا مَا مِتُّ سَأُخْرَجُ حَيًّا» بِدُونِ اللَّامِ يَمْتَنِعُ نَصْبُ «إِذَا» بِـ «أُخْرَجُ» الْمَذْكُورَةِ ; فَهُوَ خِلَافُ التَّحْقِيقِ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ حَرْفَ التَّنْفِيسِ لَا يَمْنَعُ مِنْ عَمَلِ مَا بَعْدَهُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَدَلِيلُهُ وُجُودُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ; كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

فَلَمَّا رَأَتْهُ أُمُّنَا هَانَ وَجْدُهَا ... وَقَالَتْ أَبُونَا هَكَذَا سَوْفَ يَفْعَلُ

فَقَوْلُهُ «هَكَذَا» مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ «يَفْعَلُ» كَمَا أَوْضَحَهُ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ، وَعَلَيْهِ فَعَلَى قِرَاءَةِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ فَقَوْلُهُ: «إِذَا» مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ: «أُخْرَجُ» لِعَدَمِ وُجُودِ اللَّامِ فِيهَا وَعَدَمِ مَنْعِ حَرْفِ التَّنْفِيسِ مِنْ عَمَلِ مَا بَعْدَهُ فِيمَا قَبْلَهُ.

تَنْبِيهٌ

فَإِنْ قُلْتَ: لَامُ الِابْتِدَاءِ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْمُضَارِعِ تُعْطِي مَعْنَى الْحَالِ، فَكَيْفَ جَامَعَتْ حَرْفَ التَّنْفِيسِ الدَّالَّ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ اللَّامَ هُنَا جُرِّدَتْ مِنْ مَعْنَى الْحَالِ، وَأُخْلِصَتْ لِمَعْنَى التَّوْكِيدِ فَقَطْ، وَلِذَلِكَ جَامَعَتْ حَرْفَ الِاسْتِقْبَالِ كَمَا بَيَّنَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ، وَتَعَقَّبَهُ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ بِأَنَّ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْ يَمْنَعُ أَنَّ اللَّامَ الْمَذْكُورَةَ تُعْطِي مَعْنَى الْحَالِ، وَعَلَى قَوْلِهِ يَسْقُطُ الْإِشْكَالُ مِنْ أَصْلِهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا، لَمَّا أَقَامَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا الْبُرْهَانَ عَلَى الْبَعْثِ بِقَوْلِهِ: أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا [١٩ \ ٦٧] ، أَقْسَمَ جَلَّ وَعَلَا بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّهُ يَحْشُرُهُمْ - أَيِ: الْكَافِرِينَ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ - وَغَيْرَهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَيَحْشُرُ مَعَهُمُ الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ كَانُوا يُضِلُّونَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ يُحْضِرُهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا، وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَشَارَ إِلَيْهِمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، أَمَّا حَشْرُهُ لَهُمْ وَلِشَيَاطِينِهِمْ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [٣٧ \ ٢٢ - ٢٣] ،

<<  <  ج: ص:  >  >>