للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ جَاءَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ: أَنَّ عُثْمَانَ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَعُمَرُ يَخْطُبُ فَعَاتَبَهُ عَلَى تَأَخُّرِهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مَا إِنْ سَمِعَ النِّدَاءَ حَتَّى تَوَضَّأَ، وَأَتَى إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا، وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْعَوْدَةِ إِلَى الْغُسْلِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ عُثْمَانُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا أَقَرَّهُ عُمَرُ وَتَرَكَهُ عَلَى وُضُوئِهِ.

فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ قَدْ نُسِخَ الْوُجُوبُ فِيهِ بِحَدِيثِ الْمُفَاضَلَةِ الْمَذْكُورِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ قِصَّةُ عُمَرَ مَعَ عُثْمَانَ هَذِهِ.

وَالثَّانِي: قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانُوا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ هُمْ فَعَلَةُ أَنْفُسِهِمْ فَكَانُوا يَأْتُونَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَيَشْتَدُّ عَرَقُهُمْ فَتَظْهَرُ لَهُمْ رَوَائِحُ فَعَزَمَ عَلَيْهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغُسْلِ، وَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَجَاءَتْهُمُ الْعُلُوجُ وَكُفُوا مُؤْنَةَ الْعَمَلِ، رُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، كَمَا قَدَّمْنَا.

وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ وُجُوبُ الْغُسْلِ، وَلَكِنْ لِلْيَوْمِ لَا لِلْجُمُعَةِ ; لِنَصِّ الْحَدِيثِ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» وَلَمْ يَقُلِ الْغُسْلُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَاسْتَدَلُّوا لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنَ النُّصُوصِ فِي تَعَهُّدِ الشُّعُورِ وَالْأَظَافِرِ وَالْغُسْلِ بِصِيغَةٍ عَامَّةٍ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَيَّدُوهُ فِي الْغُسْلِ بِخُصُوصِ الْجُمُعَةِ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ عِنْدَهُمْ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ بَعْدَهَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا عِنْدَهُمْ لِصِحَّتِهَا، وَالَّذِي يَظْهَرُ هُوَ صِحَّةُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ لِأَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ مُنَاسَبَةُ الْغُسْلِ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَنْسَبُ مَا تَكُونُ لِهَذَا التَّجَمُّعِ، كَمَا أَشَارَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِذَا أَهْدَرْنَا هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهُ سَوَاءً.

الثَّانِي: أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يُشِيرُ إِشَارَةً خَفِيَّةً إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ نَوْعَ طِهَارَةٍ عِنْدَ السَّعْيِ بَعْدَ الْأَذَانِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طُهْرٍ لَهَا، فَيَكُونُ إِحَالَةً عَلَى الْآيَةِ الثَّانِيَةِ الْعَامَّةِ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الْآيَةَ، فَيُكْتَفَى بِالْوُضُوءِ وَتَحْصُلُ الْفَضْلِيَّةُ بِالْغُسْلِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا.

فِي عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى التِّجَارَةِ وَحْدَهَا مُغَايَرَةٌ لِذِكْرِ اللَّهْوِ مَعَهَا.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: حُذِفَ أَحَدُهُمَا لِدَلَالَةِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ قِرَاءَةً أُخْرَى، انْفَضُّوا

<<  <  ج: ص:  >  >>