الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَعًا: وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ [٤٣ \ ١٢ - ١٤] وَقَوْلِهِ فِي السُّفُنِ: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ [٣٦ \ ٤١ - ٤٢] وَقَوْلُهُ: أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ [٢٢ \ ٦٥] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [١٦ \ ١٤] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ، وَهَذَا مِنْ نِعَمِهِ وَآيَاتِهِ، وَقَرَنَ الْأَنْعَامَ بِالْفُلْكِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ ; لِأَنَّ الْإِبِلَ سَفَائِنُ الْبَرِّ، كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَلَا خُيِّلَتْ مِنِّي وَقَدْ نَامَ صُحْبَتِي ... فَمَا نَفَرَ التَّهْوِيمَ إِلَّا سَلَامُهَا طَرُوقًا
وَجُلَبُ الرَّحْلِ مَشْدُودَةٌ بِهَا ... سَفِينَةُ بَرٍّ تَحْتَ خَدِّي زِمَامُهَا
فَتَرَاهُ سَمَّى نَاقَتَهُ سَفِينَةَ بَرٍّ وَجُلَبُ الرَّحْلِ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ عِيدَانُهُ أَوِ الرَّحْلُ بِمَا فِيهِ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْلِهِ وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ، قَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ، الَّتِي لَهَا بَيَانٌ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ، بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ بَعْدَ إِرْسَالِ نُوحٍ وَالرَّسُولِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ تَتْرَى أَيْ: مُتَوَاتِرِينَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَكُلُّ مُتَتَابِعٍ مُتَتَالٍ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ مُتَوَاتِرًا، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ فِي مُعَلَّقَتِهِ:
يَعْلُو طَرِيقَةَ مَتْنِهَا مُتَوَاتِرٌ ... فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا
يَعْنِي: مَطَرًا مُتَتَابِعًا، أَوْ غُبَارَ رِيحٍ مُتَتَابِعًا، وَتَاءُ تَتْرَى مُبْدَلَةٌ مِنَ الْوَاوِ، وَأَنَّهُ كُلَّ مَا أَرْسَلَ رَسُولًا إِلَى أُمَّةٍ كَذَّبُوهُ فَأَهْلَكَهُمْ، وَأَتْبَعَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا فِي الْإِهْلَاكِ الْمُتْسَأْصِلِ بِسَبَبِ تَكْذِيبِ الرُّسُلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَقَدْ بُيِّنَتْ آيَةُ اسْتِثْنَاءِ أُمَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذَا الْإِهْلَاكِ الْمَذْكُورِ.
أَمَّا الْآيَاتُ الْمُوَضِّحَةُ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ فَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute