للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا ثُبُوتُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ فَيَقُولُ حَرْمَلَةُ بْنُ الْمُنْذِرِ:

يَا ابْنَ أُمِّي وَيَا شَقِيقِيَ ... نَفْسِي أَنْتَ خَلَّيْتَنِي لِدَهْرٍ شَدِيدِ

فَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ. وَقَوْلُهُ «يَا ابْنَ أُمَّ» قَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَشُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ، وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي «الْأَعْرَافِ» : قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ [٧ \ ١٥٠] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا.

بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْعِجْلَ الَّذِي صَنَعَهُ السَّامِرِيُّ مِنْ حُلِيِّ الْقِبْطِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِلَاهًا؟ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حَصَرَ الْإِلَهَ أَيِ: الْمَعْبُودَ بِحَقٍّ بِـ إِنَّمَا الَّتِي هِيَ أَدَاةُ حَصْرٍ عَلَى التَّحْقِيقِ فِي خَالِقِ السَّمَاوَاتِ، وَالْأَرْضِ. الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. أَيْ: لَا مَعْبُودَ بِالْحَقِّ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ جَلَّ وَعَلَا، وَهُوَ الَّذِي وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا. وَقَوْلُهُ عِلْمًا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ الْفَاعِلِ، أَيْ: وَسِعَ عِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ.

وَمَا ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ذَكَرَهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ تَعَالَى. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْآيَةَ [٣ \ ٢] ، وَقَوْلِهِ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْآيَةَ [٤٧ \ ١٩] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَوْلِهِ فِي إِحَاطَةِ عِلْمِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [١٠ \ ٦١] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [٦ \ ٥٩] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ.

الْكَافُ فِي قَوْلِهِ كَذَلِكَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا سَبَقَ قَصَصًا مِثْلَ ذَلِكَ الْقَصَصِ الْحَسَنِ الْحَقِّ الَّذِي قَصَصْنَا عَلَيْكَ عَنْ مُوسَى وَهَارُونَ، وَعَنْ مُوسَى وَقَوْمِهِ، وَالسَّامِرِيِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ «مِنْ» فِي قَوْلِهِ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ لِلتَّبْعِيضِ، وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يُقْصَصْ عَلَيْهِ خَبَرُهُ وَيَدُلُّ لِهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>