«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى. أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ. . .» إِلَى آخَرِ كِتَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى.
مَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ مُوسَى وَهَارُونَ. أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِمَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أُشِيرَ إِلَى نَحْوِهِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. كَقَوْلِهِ: فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [٧٩ ٣٧ - ٣٩] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [٩٢ ١٤ - ١٦] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى [٧٥ ٣١ - ٣٥] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى.
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ مُوسَى وَهَارُونَ لَمَّا بَلَّغَا فِرْعَوْنَ مَا أُمِرَا بِتَبْلِيغِهِ إِيَّاهُ قَالَ لَهُمَا: مَنْ رَبُّكُمَا الَّذِي تَزْعُمَانِ أَنَّهُ أَرْسَلَكُمَا إِلَيَّ؟ زَاعِمًا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ. وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لَهُمَا إِلَهًا غَيْرَ نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [٢٨ ٣٨] ، وَقَالَ: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [٢٦ ٢٩] . وَبَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ قَوْلَهُ فَمَنْ رَبُّكُمَا تَجَاهُلُ عَارِفٍ بِأَنَّهُ عَبَدٌ مَرْبُوبٌ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ الْآيَةَ [١٧ ١٠٢] ، وَقَوْلِهِ: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [٢٧ ١٣ - ١٤] كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ. وَسُؤَالُ فِرْعَوْنَ عَنْ رَبِّ مُوسَى، وَجَوَابُ مُوسَى لَهُ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي سُورَةِ «الشُّعَرَاءِ» بِأَبْسَطِ مِمَّا هُنَا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ [٢٦ ٢٣ - ٣٣] إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute