للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَعْنَى: لَوْ شِئْنَا لَخَفَّفْنَا عَنْكَ أَعْبَاءَ الرِّسَالَةِ، وَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا يَتَوَلَّى مَشَقَّةَ إِنْذَارِهَا عَنْكَ، أَيْ: وَلَكِنَّنَا اصْطَفَيْنَاكَ، وَخَصَصْنَاكَ بِعُمُومِ الرِّسَالَةِ لِجَمِيعِ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِكَ، وَرَفْعًا مِنْ مَنْزِلَتِكَ، فَقَابَلَ ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ وَالتَّشَدُّدِ التَّامِّ فِي إِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ، وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ الْآيَةَ.

وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنِ اصْطِفَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّسَالَةِ لِجَمِيعِ النَّاسِ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [٧ \ ١٥٨] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [٣٤ \ ٢٨] وَقَوْلِهِ: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [٦ \ ١٩] وَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ الْآيَةَ [١١ \ ١٧] .

وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ هَذَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [٢٥ \ ١] وَقَوْلُهُ: فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ، ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ الْآيَةَ [٣٣ \ ٤٨] وَقَوْلِهِ: وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [٧٦ \ ٢٤] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ الْآيَةَ [١٨ \ ٢٨] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ [٦٨ \ ١٠] .

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ، أَيْ: بِالْقُرْآنِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَالْجِهَادُ الْكَبِيرُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْمَصْحُوبُ بِالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً الْآيَةَ [٩ \ ١٢٣] وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [٩ \ ٧٣] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ، مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُطِيعُ الْكَافِرِينَ، وَلَكِنَّهُ يَأْمُرُ وَيَنْهَى لِيُشَرِّعَ لِأُمَّتِهِ عَلَى لِسَانِهِ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>