وَأَمَّا كَوْنُهُمْ قَدْ أَتَوْا عَلَى تِلْكَ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَقَدْ جَاءَ مُوَضَّحًا أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [٣٧ \ ١٣٧ - ١٣٨] وَالْمُرَادُ بِأَنَّهُمْ مَرُّوا عَلَى قَرْيَةِ قَوْمِ لُوطٍ، وَأَنَّ مُرُورَهُمْ عَلَيْهَا، وَرُؤْيَتَهُمْ لَهَا خَالِيَةً مِنْ أَهْلِهَا لَيْسَ فِيهَا دَاعٍ، وَلَا مُجِيبٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ أَهْلَكَ أَهْلَهَا جَمِيعًا لِكُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ لُوطًا، فِيهِ أَكْبَرُ وَاعِظٍ وَأَعْظَمُ زَاجِرٍ عَنْ تَكْذِيبِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِئَلَّا يَنْزِلَ بِالَّذِينِ كَذَّبُوهُ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقَوْمِ لُوطٍ مِنَ الْعَذَابِ وَالْهَلَاكِ، وَبِذَا وَبَّخَهُمْ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِبَارِ بِمَا أُنْزِلَ بِهَا مِنَ الْعَذَابِ ; كَقَوْلِهِ فِي آيَةِ «الصَّافَّاتِ» الْمَذْكُورَةِ: أَفَلَا تَعْقِلُونَ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آيَةِ «الْفُرْقَانِ» هَذِهِ: أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا، فَقَوْلُهُ: أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا تَوْبِيخٌ لَهُمْ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِبَارِ ; كَقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: أَفَلَا تَعْقِلُونَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا مُصْبِحِينَ، وَبِاللَّيْلِ وَأَنَّهُمْ يَرَوْنَهَا ; وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ [١٥ \ ٧٤ - ٧٦] يَعْنِي: أَنَّ دِيَارَ قَوْمِ لُوطٍ بِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، أَيْ: بِطْرِيقٍ مُقِيمٍ، يَمُرُّونَ فِيهِ عَلَيْهَا فِي سَفَرِهِمْ إِلَى الشَّامِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا، أَيْ: لَا يَخَافُونَ بَعْثًا وَلَا جَزَاءً، أَوْ لَا يَرْجُونَ بَعْثًا وَثَوَابًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا. تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي سُورَةِ «الْأَنْبِيَاءِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ [١٤ \ ٣٦] وَمَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا عَلَى آلِهَتِهِمْ، بَيِّنٌ فِي سُورَةِ «ص» أَنَّ بَعْضَهُمْ أَمَرَ بِهِ بَعْضًا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ الْآيَةَ [٣٨ \ ٦] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، أَيْ: مَهْمَا اسْتَحْسَنَ مِنْ شَيْءٍ وَرَآهُ حَسَنًا فِي هَوَى نَفْسِهِ كَانَ دِينَهُ وَمَذْهَبَهُ، إِلَى أَنْ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُ الْحَجَرَ الْأَبْيَضَ زَمَانًا، فَإِذَا رَأَى غَيْرَهُ أَحْسَنَ مِنْهُ عَبَدَ الثَّانِيَ وَتَرَكَ الْأَوَّلَ، اه مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute