للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ.

لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا ذَاتَ الْأَلْوَاحِ وَالدُّسُرِ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّ الْمُرَادَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى سَفِينَةٍ ذَاتِ أَلْوَاحٍ، أَيْ مِنَ الْخَشَبِ وَدُسُرٍ: أَيْ مَسَامِيرَ تَرْبِطُ بَعْضَ الْخَشَبِ بِبَعْضٍ، وَوَاحِدُ الدُّسُرِ دِسَارٌ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: الدُّسُورُ الْخُيُوطُ الَّتِي تُشَدُّ بِهَا أَلْوَاحُ السَّفِينَةِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الدُّسُورُ جُؤْجُؤُ السَّفِينَةِ أَيْ صَدْرُهَا وَمُقَدَّمُهَا الَّذِي تَدْسُرُ بِهِ الْمَاءَ أَيْ تَدْفَعُهُ وَتَمْخُرُهُ بِهِ، قَالُوا: هُوَ مِنَ الدَّسْرِ وَهُوَ الدَّفْعُ.

فَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ ذَاتَ الْأَلْوَاحِ وَالدُّسُرِ السَّفِينَةُ - قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [٦٩ \ ١١] ، أَيِ السَّفِينَةِ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي سُورَةِ الشُّورَى فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ [٤٢ \ ٣٢] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ [٢٩ \ ١٥] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [٣٦ \ ٤١] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.

الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تَرَكْنَاهَا، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى هَذِهِ الْفِعْلَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي فَعَلَ بِقَوْمِ نُوحٍ.

وَالْمَعْنَى: وَلَقَدْ تَرَكْنَا فِعْلَتَنَا بِقَوْمِ نُوحٍ وَإِهْلَاكَنَا لَهُمْ آيَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ، لِيَنْزَجِرُوا وَيَكُفُّوا عَنْ تَكْذِيبِ الرُّسُلِ، لِئَلَّا نَفْعَلَ بِهِمْ مِثْلَ مَا فَعَلْنَا بِقَوْمِ نُوحٍ، وَكَوْنُ هَذِهِ الْفِعْلَةِ آيَةً - نَصَّ عَلَيْهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً [٢٥ \ ٣٧] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [٢٦ \ ١١٩ - ١٢١] .

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الضَّمِيرُ فِي تَرَكْنَاهَا عَائِدٌ إِلَى السَّفِينَةِ، وَكَوْنُ سَفِينَةِ نُوحٍ آيَةً بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [٢٩ \ ١٥] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ [٣٦ \ ٤١ - ٤٢] .

<<  <  ج: ص:  >  >>