الْمُرَادُ بِالْخَرْجِ وَالْخَرَاجِ هُنَا: الْأَجْرُ وَالْجَزَاءُ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ لَا تَسْأَلُهُمْ عَلَى مَا بَلَّغْتَهُمْ مِنَ الرِّسَالَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أُجْرَةً وَلَا جُعْلًا، وَأَصْلُ الْخَرْجِ وَالْخَرَاجِ: هُوَ مَا تُخْرِجُهُ إِلَى كُلِّ عَامِلٍ فِي مُقَابَلَةِ أَجْرِهِ، أَوْ جَعْلٍ، وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَتَضَمَّنُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَا يَسْأَلُهُمْ أَجْرًا، فِي مُقَابَلَةِ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ.
وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ لَا يَأْخُذُونَ الْأُجْرَةَ عَلَى التَّبْلِيغِ فِي سُورَةِ هُودٍ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ: وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ الْآيَةَ [١١ \ ٢٩] وَبَيَّنَّا وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ تِلْكَ الْآيَاتِ، مَعَ آيَةِ: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [٤٢ \ ٢٣] وَبَيَّنَّا هُنَاكَ حُكْمَ أَخْذِ الْأُجْرَةِ، عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا. وَقَرَأَ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ ابْنُ عَامِرٍ: خَرْجًا فَخَرْجُ رَبِّكَ، بِإِسْكَانِ الرَّاءِ فِيهِمَا مَعًا، وَحَذْفِ الْأَلِفِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: خَرَاجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ بِفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا أَلِفٌ فِيهِمَا مَعًا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ، وَحَذْفِ الْأَلِفِ فِي الْأَوَّلِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي الثَّانِي، وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ مَعْنَى الْخَرْجِ وَالْخَرَاجِ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ وَقِرَاءَتَانِ سَبْعِيَّتَانِ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ بَيْنَ مَعْنَاهُمَا فَرْقًا زَاعِمًا أَنَّ الْخَرْجَ مَا تَبَرَّعْتَ بِهِ، وَالْخَرَاجُ: مَا لَزِمَكَ أَدَاؤُهُ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا يُسَاعِدُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ كَمَا تَرَى، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَصِيغَةُ التَّفْضِيلِ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [٢٣ \ ٧٢] نَظَرًا إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْمَخْلُوقِينَ يَرْزُقُ بَعْضَهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ [٤ \ ٥] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ الْآيَةَ [٢ \ ٢٣٣] ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فَضْلَ رِزْقِ اللَّهِ خَلْقَهُ، عَلَى رِزْقِ بَعْضِ خَلْقِهِ بَعْضِهِمْ كَفَضْلِ ذَاتِهِ، وَسَائِرِ صِفَاتِهِ عَلَى ذَوَاتِ خَلْقِهِ، وَصِفَاتِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ، لِمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ [٢٢ \ ٦٧] فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لِإِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ، نَاكِبُونَ عَنِ الصِّرَاطِ، وَالْمُرَادُ بِالصِّرَاطِ، الَّذِي هُمْ نَاكِبُونَ عَنْهُ: الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute