للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقُرْآنَ مُبَارَكٌ بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي «الْأَنْعَامِ» : وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [٦ \ ١٥٥] وَقَوْلِهِ فِيهَا أَيْضًا: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [٦ \ ٩٢] وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي «ص» : كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [٣٨ \ ٢٩] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، فَنَرْجُو اللَّهَ تَعَالَى الْقَرِيبَ الْمُجِيبَ أَنْ تَغْمُرَنَا بَرَكَاتُ هَذَا الْكِتَابِ الْعَظِيمِ الْمُبَارَكِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا لِتَدَبُّرِ آيَاتِهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَالْمَكَارِمِ وَالْآدَابِ، امْتِثَالًا وَاجْتِنَابًا، إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ.

قَدْ قَدَّمْنَا مَا يُوَضِّحُ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ مِنَ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ.

ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ نَبِيَّهُ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَفْحَمَ قَوْمَهُ الْكَفَرَةَ بِالْبَرَاهِينِ وَالْحُجَجِ الْقَاطِعَةِ لَجَئُوا إِلَى اسْتِعْمَالِ الْقُوَّةِ، فَقَالُوا: حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ [٢١ \ ٦٨] أَيْ: بِقَتْلِكُمْ عَدُوَّهَا إِبْرَاهِيمَ شَرَّ قِتْلَةٍ، وَهِيَ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ.

وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا أَنَّهُمْ أَرَادُوا قَتْلَهُ بِغَيْرِ التَّحْرِيقِ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي سُورَةِ «الْعَنْكَبُوتِ» أَنَّهُمْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ [٢٩ \ ٢٤] وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ [٢٩ \ ٢٤] .

وَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْمُبْطِلَ إِذَا أُفْحِمَ بِالدَّلِيلِ لَجَأَ إِلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الْقُوَّةِ لِيَسْتَعْمِلَهَا ضِدَّ الْحَقِّ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ نَاصِرِينَ آلِهَتَكُمْ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، فَاخْتَارُوا لَهُ أَفْظَعَ قِتْلَةٍ، وَهِيَ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ، وَإِلَّا فَقَدَ فَرَّطْتُمْ فِي نَصْرِهَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ.

فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيرُهُ: قَالُوا حَرِّقُوهُ فَرَمَوْهُ فِي النَّارِ، فَلَمَّا فَعَلُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>