للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَدُلُّ لَهُ الْقُرْآنُ كَمَا بَيَّنَّا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَوْلُهُ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [١٦ \ ٧١] ، إِنْكَارٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ جُحُودَهُمْ بِنِعْمَتِهِ ; لِأَنَّ الْكَافِرَ يَسْتَعْمِلُ نِعَمَ اللَّهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَيَسْتَعِينُ بِكُلِّ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، فَإِنَّهُ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ. وَجَحَدَ: تَتَعَدَّى بِالْبَاءِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ; كَقَوْلِهِ: وَجَحَدُوا بِهَا الْآيَةَ [٢٧ \ ١٤] ، وَقَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [٧ \ ٥١] ، وَالْجُحُودُ بِالنِّعْمَةِ هُوَ كُفْرَانُهَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً الْآيَةَ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ امْتَنَّ عَلَى بَنِي آدَمَ أَعْظَمَ مِنَّةٍ بِأَنْ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَزْوَاجًا مِنْ جِنْسِهِمْ وَشَكْلِهِمْ، وَلَوْ جَعَلَ الْأَزْوَاجَ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ مَا حَصَلَ الْائْتِلَافُ وَالْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ.

وَلَكِنْ مِنْ رَحْمَتِهِ خَلَقَ مِنْ بَنِي آدَمَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَجَعَلَ الْإِنَاثَ أَزْوَاجًا لِلذُّكُورِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمِنَنِ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - هُوَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ.

وَأَوْضَحَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: أَنَّ هَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأَنَّهَا مِنْ آيَاتِهِ - جَلَّ وَعَلَا - ; كَقَوْلِهِ: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [٣٠ \ ٢١] ، وَقَوْلِهِ: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى [٧٥ \ ٣٦ - ٣٩] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا الْآيَةَ [٧ \ ١٨٩] .

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْحَفَدَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ; فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْحَفَدَةُ: أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ، أَيْ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ، وَمِنَ الْبَنِينَ حَفَدَةً. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْحَفَدَةُ الْأَعْوَانُ وَالْخَدَمُ مُطْلَقًا ; وَمِنْهُ قَوْلُ جَمِيلٍ:

حَفَدُ الْوَلَائِدُ حَوْلَهُنَّ وَأَسْلَمَتْ ... بِأَكُفِّهِنَّ أَزِمَّةَ الْأَجْمَالِ

أَيْ: أَسْرَعَتِ الْوَلَائِدُ الْخِدْمَةَ، وَالْوَلَائِدُ الْخَدَمُ. الْوَاحِدَةُ وَلِيدَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:

كَلَّفْتُ مَجْهُولَهَا نُوقًا يَمَانِيَةً ... إِذَا الْحُدَاةُ عَلَى أَكْسَائِهَا حَفَدُوا

أَيْ: أَسْرَعُوا فِي الْخِدْمَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>