قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى.
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ السَّحَرَةَ لَمَّا جَمَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَاجْتَمَعُوا مَعَ مُوسَى لِلْمُغَالَبَةِ قَالُوا لَهُ مُتَأَدِّبِينَ مَعَهُ: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى مَقَالَتَهُمْ هَذِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. كَقَوْلِهِ فِي «الْأَعْرَافِ» : قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ [٧ ١١٥] . وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ: أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يُحْذَفَ مَفْعُولُ فِعْلٍ فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ يُبَيَّنُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِنَّا نُبَيِّنُ ذَلِكَ، وَقَدْ حُذِفَ هُنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَفْعُولُ تُلْقِيَ وَمَفْعُولٌ أَوَّلُ مِنْ أَلْقَى وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّ مَفْعُولَ إِلْقَاءِ مُوسَى هُوَ عَصَاهُ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي «الْأَعْرَافِ» : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [٧ ١١٧] ، وَقَوْلِهِ فِي «الشُّعَرَاءِ» : فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [٢٦ ٤٥] ، وَقَوْلُهُ هُنَا: وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا الْآيَةَ [٢٠ ٦٩] . وَمَا فِي يَمِينِهِ هُوَ عَصَاهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ الْآيَةَ [٢٠ ١٧] .
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ مَفْعُولَ إِلْقَائِهِمْ هُوَ حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي «الشُّعَرَاءِ» : فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [٢٦ ٤٤] . وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى ذَلِكَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ هُنَا قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [٢٠ ٦٦] ، لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ: قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى. وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ «أَنْ» وَصِلَتِهَا فِي قَوْلِهِ أَنْ تُلْقِيَ وَفِي قَوْلِهِ أَنْ نَكُونَ فِيهِ وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ: إِمَّا أَنْ تَخْتَارَ أَنْ تُلْقِيَ أَيْ: تَخْتَارُ إِلْقَاءَكَ أَوَّلًا، أَوْ تَخْتَارُ إِلْقَاءَنَا أَوَّلًا. وَتَقْدِيرُ الْمَصْدَرِ الثَّانِي: وَإِمَّا أَنْ تَخْتَارَ أَنْ نَكُونَ أَيْ: كَوْنَنَا أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى، وَالثَّانِي أَنَّهُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَالتَّقْدِيرُ إِمَّا إِلْقَاؤُكَ أَوَّلًا، أَوْ إِلْقَاؤُنَا أَوَّلًا. وَقِيلَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: إِمَّا الْأَمْرُ إِلْقَاؤُنَا أَوْ إِلْقَاؤُكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ بَلْ أَلْقُوا.
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ نَبِيَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا خَيَّرَهُ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ أَنْ يُلْقِيَ قَبْلَهُمْ أَوْ يُلْقُوا قَبْلَهُ قَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا يَعْنِي أَلْقُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute