كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ الْآيَةَ [١٨ \ ١] وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: عَلَى عَبْدِهِ قَالَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: ذِكْرُهُ صِفَةَ الْعُبُودِيَّةِ مَعَ تَنْزِيلِ الْفُرْقَانِ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ لِلَّهِ هِيَ أَشْرَفُ الصِّفَاتِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا قَوْلُهُ: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، بَدَلٌ مِنَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الْمَدْحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ. وَقَدْ أَثْنَى جَلَّ وَعَلَا عَلَى نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِخَمْسَةِ أُمُورٍ، هِيَ أَدِلَّةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى عَظَمَتِهِ، وَاسْتِحْقَاقِهِ وَحْدَهُ لِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ: الْأَوَّلُ مِنْهَا: أَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.
وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ قَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ تَقْدِيرًا، وَهَذِهِ الْأُمُورُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ جَاءَتْ مُوَضَّحَةً فِي آيَاتٍ أُخَرَ.
أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا: وَهُوَ أَنَّهُ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَقَدْ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الْمَائِدَةِ» : أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْآيَةَ [٥ \ ٤٠] وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ «النُّورِ» : وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [٢٤ \ ٤٢] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ الْآيَةَ [٣٥ \ ١٣] وَجَمِيعُ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا جَلَّ وَعَلَا أَنَّ لَهُ الْمُلْكَ، فَالْمُلْكُ فِيهَا شَامِلٌ لِمُلْكِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ الْآيَةَ [٣ \ ٢٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ الْآيَةَ [٦٧ \ ١] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [٤٠ \ ١٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ الْآيَةَ [٦ \ ٧٣] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَالِكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute