وَسَاقَ الْقُرْطُبِيُّ أَثَرًا طَوِيلًا فِي فَضْلِهَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِ الصَّلَاةِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
وَجَاءَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: «وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرُونَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَخْتِمُونَ الْمِائَةَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» .
وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةً، بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [١١٠ \ ١] ، إِلَّا يَقُولُ:» سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي «، وَقَالَتْ: يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ.
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:» إِنَّهُ كَانَ يَقُولُهَا فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ، وَمَجِيئِهِ وَذَهَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ: «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ» : أَيِ: اذْكُرْ رَبَّكَ.
وَهَذَا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْأُخْرَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ نَفْسِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى
[٨٧ \ ١٤ - ١٥] ، فَصَرَّحَ بِذِكْرِ اسْمِ رَبِّكَ، كَمَا جَاءَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، فَوَضَعَ الذِّكْرَ مَوْضِعَ التَّسْبِيحِ، وَهُوَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ. وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى
أَطْلَقَ الْخَلْقَ ; لِيَعُمَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي «السَّجْدَةِ» ، «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» [٣٢ \ ٧] ، وَالتَّسْوِيَةُ: التَّقْوِيمُ وَالتَّعْدِيلُ، وَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ كُلَّ مَخْلُوقٍ مُسْتَوٍ عَلَى أَحْسَنِ مَا يَتَنَاسَبُ لِخِلْقَتِهِ وَمَا خُلِقَ لَهُ، فَخَلَقَ السَّمَوَاتِ فَسَوَّاهَا فِي أَقْوَى بِنَاءٍ، وَأَعْلَى سُمْكٍ، وَأَشَدِّ تَمَاسُكٍ، لَا تَرَى فِيهَا مِنْ تَشَقُّقٍ وَلَا فُطُورٍ، وَزَيَّنَهَا بِالنُّجُومِ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ وَدَحَاهَا، وَأَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا، وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا وَجَعَلَهَا فِرَاشًا وَمِهَادًا، وَخَلَقَ الْأَشْجَارَ فَسَوَّاهَا عَلَى مَا تَصْلُحُ لَهُ مِنْ ذَوَاتِ الثِّمَارِ، وَوَقُودِ النَّارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَهَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ فِي خِلْقَتِهَا وَتَسْوِيَتِهَا آيَةٌ: أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [٨٨ \ ١٧ - ٢٠] .
أَمَّا الْإِنْسَانُ فَهُوَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَوْجِبُ حَقًّا لَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُسَبَّحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute