للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا الْآيَاتِ. قَدْ أَوْضَحْنَا مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْبَرَاهِينِ عَلَى الْبَعْثِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» ، وَأَوَّلِ سُورَةِ «النَّحْلِ» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ الْآيَةَ [٦ \ ٥٩] وَفِي مَوَاضِعَ أُخَرَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ. أَظْهَرُ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْمَعْنَى: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ، أَيْ: تَكَامَلَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ حِينَ يُعَايِنُونَهَا، أَيْ: يَعْلَمُونَ فِي الْآخِرَةِ عِلْمًا كَامِلًا، مَا كَانُوا يَجْهَلُونَهُ فِي الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ، أَيْ: فِي دَارِ الدُّنْيَا، فَهَذَا الَّذِي كَانُوا يَشُكُّونَ فِيهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَيَعْمُونَ عَنْهُ مِمَّا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ، يَعْلَمُونَهُ فِي الْآخِرَةِ عِلْمًا كَامِلًا لَا يُخَالِجُهُ شَكٌّ، عِنْدَ مُعَايَنَتِهِمْ لِمَا كَانُوا يُنْكِرُونَهُ مِنَ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ.

وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا الْقَوْلَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْآيَةِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَيْهِ دَلَالَةً وَاضِحَةً فِي آيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [١٩ \ ٣٨] فَقَوْلُهُ: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا، بِمَعْنَى: مَا أَسْمَعَهُمْ وَمَا أَبْصَرَهُمْ لِلْحَقِّ الَّذِي كَانُوا يُنْكِرُونَهُ يَوْمَ يَأْتُونَنَا، أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا يُوَضِّحُ مَعْنَى قَوْلِهِ: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ: تَكَامَلَ عِلْمُهُمْ فِيهَا لِمُبَالَغَتِهِمْ فِي سَمْعِ الْحَقِّ وَإِبْصَارِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ: لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [١٩ \ ٣٨] يُوَضِّحُ مَعْنَى قَوْلِهِ: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ، لِأَنَّ ضَلَالَهُمُ الْمُبَيَّنَ الْيَوْمَ، أَيْ: فِي دَارِ الدُّنْيَا، هُوَ شَكُّهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَعَمَاهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>