للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْهَا ; وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [٥٠ \ ٢٢] أَيْ: عِلْمُكَ الْيَوْمَ بِمَا كُنْتَ تُنْكِرُهُ فِي الدُّنْيَا مِمَّا جَاءَتْكَ بِهِ الرُّسُلُ حَدِيدٌ، أَيْ: قَوِيٌّ كَامِلٌ.

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا «دَفْعُ إِبْهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ» ، فِي سُورَةِ «الشُّورَى» ، فِي الْجَوَابِ عَمَّا يَتَوَهَّمُ مِنَ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [٤٢ \ ٤٥] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [٥٠ \ ٢٢] أَنَّ الْمُرَادَ بِحِدَّةِ الْبَصَرِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: كَمَالُ الْعِلْمُ وَقُوَّةُ الْمَعْرِفَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ [٣٢ \ ١٢] فَقَوْلُهُ: إِنَّا مُوقِنُونَ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُوَضِّحُ مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا وَوُضِعَ [١٨ \ ٤٨] فَعَرْضُهُمْ عَلَى رَبِّهِمْ صَفًّا يَتَدَارَكُ بِهِ عِلْمُهُمْ، لِمَا كَانُوا يُنْكِرُونَهُ، وَقَوْلُهُ: بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا، صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا كَانُوا فِي شَكٍّ وَعَمًى عَنِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ كَمَا تَرَى، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: بَلِ ادَّارَكَ، فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ قِرَاءَةً اثْنَتَانِ مِنْهَا فَقَطْ سَبْعِيَّتَانِ، فَقَدْ قَرَأَهُ عَامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرَ ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو: بَلِ ادَّارَكَ بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ بَلِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَالْأَلِفُ الَّتِي قَبْلَ الدَّالِ هَمْزَةُ وَصْلٍ، وَأَصْلُهُ: تَدَارَكَ بِوَزْنِ: تَفَاعَلَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْهَ الْإِدْغَامِ، وَاسْتِجْلَابَ هَمْزَةِ الْوَصْلِ فِي تَفَاعَلَ وَتَفَعَّلَ وَأَمْثِلَةَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ، وَبَعْضَ شَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ فِي سُورَةِ «طَهَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [٧ \ ١١٧] وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: بَلْ أَدْرَكَ بِسُكُونِ اللَّامِ مِنْ بَلْ، وَهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ، مَعَ سُكُونِ الدَّالِ عَلَى وَزْنِ: أَفْعَلَ.

وَالْمَعْنَى عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ، أَيْ: تَدَارَكَ بِمَعْنَى تَكَامَلَ ; كَقَوْلِهِ: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا [٧ \ ٣٨] وَعَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو: بَلْ أَدْرَكَ.

قَالَ الْبَغَوِيُّ: أَيْ بَلَغَ وَلَحِقَ، كَمَا يُقَالُ: أَدْرَكَ عِلْمِي إِذَا لَحِقَهُ وَبَلَغَهُ، وَالْإِضْرَابُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلِ ادَّارَكَ، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ، بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ، إِضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ، بِمَعْنَى: عَنْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>