الْأَحْيَاءُ هُنَا: الْمُؤْمِنُونَ، وَالْأَمْوَاتُ: الْكُفَّارُ ; فَالْحَيَاةُ هُنَا حَيَاةُ إِيمَانٍ، وَالْمَوْتُ مَوْتُ كُفْرٍ.
وَهَذَا الْمَعْنَى جَاءَ مُوَضَّحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [٦ \ ١٢٢] ، فَقَوْلُهُ: أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا، أَيْ: مَوْتَ كُفْرٍ فَأَحْيَيْنَاهُ حَيَاةَ إِيمَانٍ ; وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [٣٦ \ ٧٠] ، فَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ كَانَ حَيًّا، أَيْ - وَهِيَ حَيَاةُ إِيمَانٍ - إِنَّ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ لَيْسُوا كَذَلِكَ، وَقَدْ أَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ [٦ \ ٣٦] ، أَنَّ الْمَعْنَى: وَالْكُفَّارُ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا مُوَضَّحًا بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي سُورَةِ «النَّمْلِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ الْآيَةَ [٢٧ \ ٨٠] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ وَمَا جَاءَ فِي سَمَاعِ الْمَوْتَى فِي سُورَةِ «النَّمْلِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى الْآيَةَ [٢٧ \ ٨٠] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ. قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ «الرُّومِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ الْآيَةَ [٣٠ \ ٢٢] ، وَبَيَّنَّا هُنَاكَ دَلَالَةَ الْآيَاتِ عَلَى أَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا هُوَ الْمُؤَثِّرُ وَحْدَهُ، وَأَنَّ الطَّبَائِعَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، إِلَى قَوْلِهِ: وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ. قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ، مَعَ نَظَائِرِهَا مِنْ آيَاتِ الرَّجَاءِ اسْتِطْرَادًا، وَذَكَرْنَا مَعْنَى الظَّالِمِ وَالْمُقْتَصِدِ وَالسَّابِقِ، وَوَجْهُ تَقْدِيمِ الظَّالِمِ عَلَيْهِمَا بِالْوَعْدِ فِي الْجَنَّاتِ فِي سُورَةِ «النُّورِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى الْآيَةَ [٢٤ \ ٢٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute