للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى.

ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ خَلَقَ النَّاسَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا كَيْفِيَّةَ خَلْقِهِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْمَذْكُورَيْنِ وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ خَلَقَ ذَلِكَ الذَّكَرَ الَّذِي هُوَ آدَمُ مِنْ تُرَابٍ، وَقَدْ بَيَّنَ الْأَطْوَارَ الَّتِي مَرَّ بِهَا ذَلِكَ التُّرَابُ، كَصَيْرُورَتِهِ طِينًا لَازِبًا وَحَمَأً مَسْنُونًا وَصَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ.

وَبَيَّنَ أَنَّهُ خَلَقَ تِلْكَ الْأُنْثَى الَّتِي هِيَ حَوَّاءُ مِنْ ذَلِكَ الذَّكَرِ الَّذِي هُوَ آدَمُ فَقَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [٤ \ ١] وَقَالَ تَعَالَى فِي الْأَعْرَافِ: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [٧ \ ١٨٩] ، وَقَالَ تَعَالَى فِي الزُّمَرِ: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [٣٩ \ ٦] .

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ خَلَقَ نَوْعَ الْإِنْسَانِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ:

الْأَوَّلُ مِنْهَا: خَلَقَهُ لَا مِنْ أُنْثَى وَلَا مِنْ ذَكَرٍ وَهُوَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَالثَّانِي: خَلَقَهُ مَنْ ذَكَرٍ بِدُونِ أُنْثَى وَهُوَ حَوَّاءُ.

وَالثَّالِثُ: خَلَقَهُ مِنْ أُنْثَى بِدُونِ ذَكَرٍ وَهُوَ عِيسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

الرَّابِعُ: خَلَقَهُ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَهُوَ سَائِرُ الْآدَمِيِّينَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ - جَلَّ وَعَلَا.

مَسْأَلَةٌ

قَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْأُولَى كَانَ وُجُودُهَا الْأَوَّلُ مُسْتَنِدًا إِلَى وُجُودِ الرَّجُلِ وَفَرْعًا عَنْهُ.

وَهَذَا أَمْرٌ كَوْنِيٌّ قَدَرِيٌّ مِنَ اللَّهِ، أَنْشَأَ الْمَرْأَةَ فِي إِيجَادِهَا الْأَوَّلِ عَلَيْهِ.

وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ الْكَرِيمُ الْمُنَزَّلُ مِنَ اللَّهِ لِيُعْمَلَ بِهِ فِي أَرْضِهِ بِمُرَاعَاةِ هَذَا الْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ الْقَدَرِيِّ فِي حَيَاةِ الْمَرْأَةِ فِي جَمِيعِ النَّوَاحِي.

فَجَعَلَ الرَّجُلَ قَائِمًا عَلَيْهَا وَجَعَلَهَا مُسْتَنِدَةً إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ شُئُونِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>