للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ [٢٦ \ ٩٢، ٩٣] ، وَقَوْلِهِ: ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا الْآيَةَ [٤٠ \ ٧٣ - ٧٤] ، وَقَوْلِهِ: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا ... } الْآيَةَ [٧ \ ٣٧] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَرَأَ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ: شُرَكَائِيَ [١٦ \ ٢٧] ، بِالْهَمْزَةِ وَيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ الْبِزِّي أَنَّهُ قَرَأَ «شُرَكَايَ» ، بِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ دُونَ هَمْزٍ، وَلَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تُشَاقُّونَ [١٦ \ ٢٧] ، بِنُونِ الرَّفْعِ مَفْتُوحَةً مَعَ حَذْفِ الْمَفْعُولِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ: «تُشَاقُّونِ» بِكَسْرِ النُّونِ الْخَفِيفَةِ الَّتِي هِيَ نُونُ الْوِقَايَةِ، وَالْمَفْعُولُ بِهِ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ الْمَدْلُولُ عَلَيْهَا بِالْكَسْرَةِ مَعَ حَذْفِ نُونِ الرَّفْعِ ; لِجَوَازِ حَذْفِهَا مِنْ غَيْرِ نَاصِبٍ وَلَا جَازِمٍ إِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ نُونِ الْوِقَايَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ فِي «سُورَةِ الْحِجْرِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: فَبِمَ تُبَشِّرُونَي [١٥ \ ٥٤] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ، أَيْ: الِاسْتِسْلَامَ وَالْخُضُوعَ. وَالْمَعْنَى: أَظْهَرُوا كَمَالَ الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ، وَتَرَكُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الشِّقَاقِ. وَذَلِكَ عِنْدَمَا يُعَايِنُونَ الْمَوْتَ، أَوْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يَعْنِي: أَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا يُشَاقُّونَ الرُّسُلَ، أَيْ: يُخَالِفُونَهُمْ وَيُعَادُونَهُمْ، فَإِذَا عَايَنُوا الْحَقِيقَةَ أَلْقَوُا السَّلَمَ، أَيْ: خَضَعُوا وَاسْتَسْلَمُوا وَانْقَادُوا حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ.

وَمِمَّا يَدُلُّ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِلْقَاءِ السَّلَمِ: الْخُضُوعُ وَالِاسْتِسَلَامُ، قَوْلُهُ: وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا [٤ \ ٩٤] ، عَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَحَمْزَةَ بِلَا أَلِفٍ بَعْدَ اللَّامِ. بِمَعْنَى الِانْقِيَادِ وَالْإِذْعَانِ. وَقَوْلُهُ: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ الْآيَةَ [٤ \ ٩١] .

وَالْقَوْلُ بِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ: الصُّلْحُ وَالْمُهَادَنَةُ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَا ; لِأَنَّ الْمُصَالِحَ مُنْقَادٌ مُذْعِنٌ لِمَا وَافَقَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ السُّوءِ. وَقَوْلُهُ: وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [١٦ \ ٧٨] ، فَكُلُّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِسْلَامِ وَالْخُضُوعِ وَالِانْقِيَادِ. وَالِانْقِيَادُ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْمَوْتِ لَا يَنْفَعُ، كَمَا قَدَّمْنَا، وَكَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ ; كَقَوْلِهِ: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ الْآيَةَ [٤ \ ١٨] ، وَقَوْلِهِ: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا الْآيَةَ [٤٠ \ ٨٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>