للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلِهِ: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [١٠ \ ٩١] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، يَعْنِي أَنَّ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ إِذَا عَايَنُوا الْحَقِيقَةَ أَلْقَوُا السَّلَمَ، وَقَالُوا: «مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ» [١٦ \ ٢٨] ، فَقَوْلُهُ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ، مَعْمُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ بِلَا خِلَافٍ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنَ السُّوءِ، وَهُوَ الْكُفْرُ وَتَكْذِيبُ الرُّسُلِ وَالْمَعَاصِي. وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ كَذِبَهُمْ بِقَوْلِهِ: بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [١٦ \ ٢٨] .

وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي كَمَا ذَكَرَ هُنَا. وَبَيَّنَ كَذِبَهُمْ فِي ذَلِكَ أَيْضًا ; كَقَوْلِهِ: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [٦ \ ٢٣ - ٢٤] ، وَقَوْلِهِ: قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ [٤٠ \ ٧٤] ، وَقَوْلِهِ: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [٥٨ \ ١٨] ، وَقَوْلِهِ: وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا [٢٥ \ ٢٢] ، أَيْ: حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ تَمَسُّونَا بِسُوءٍ ; لِأَنَّا لَمْ نَفْعَلْ مَا نَسْتَحِقُّ بِهِ ذَلِكَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَوْلُهُ هُنَا: «بَلَى» [١٦ \ ٢٨] ، تَكْذِيبٌ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ.

تَنْبِيهٌ.

لَفْظَةُ: «بَلَى» لَا تَأْتِي فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَّا لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ، لَا ثَالِثَ لَهُمَا:

الْأَوَّلُ: أَنْ تَأْتِيَ لِإِبْطَالِ نَفْيٍ سَابِقٍ فِي الْكَلَامِ، فَهِيَ نَقِيضَةُ «لَا» ; لِأَنَّ «لَا» لِنَفْيِ الْإِثْبَاتِ، وَ «بَلَى» ، لِنَفْيِ النَّفْيِ ; كَقَوْلِهِ هُنَا: مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ [١٦ \ ٢٨] ، فَهَذَا النَّفْيُ نَفَتْهُ لَفْظَةُ «بَلَى» ، أَيْ: كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ السُّوءَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَكَقَوْلِهِ: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [٦٤ \ ٧] ، وَكَقَوْلِهِ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [٣٤ \ ٣] ، وَقَوْلِهِ: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>