فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ [٨٨ \ ١٢] ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِ خَمْرِ الْجَنَّةِ أَنَّهَا لَا تُسْكِرُ شَارِبَهَا، وَلَا تُسَبِّبُ لَهُ الصُّدَاعَ الَّذِي هُوَ وَجَعُ الرَّأْسِ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ [٥٦ \ ١٩] ، وَقَوْلِهِ: لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ [٣٧ \ ٤٧] .
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَاتِ بِإِيضَاحٍ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [٥ \ ٩٠] . الْآيَةَ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: غَيْرِ آسِنٍ أَيْ غَيْرُ مُتَغَيِّرِ اللَّوْنِ وَلَا الطَّعْمِ. وَالْآسِنُ وَالْآجِنُ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
وَمَنْهَلٌ آجِنٌ قَفْرٌ مَحَاضِرُهُ ... تَذْرُو الرِّيَاحُ عَلَى جُمَّاتِهِ الْبَعَرَا
وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
وَمَنْهَلٌ فِيهِ الْغُرَابُ مَيِّتُ ... كَأَنَّهُ مِنَ الْأُجُونِ زَيِّتُ
سَقَيْتُ مِنْهَا الْقَوْمَ وَاسْتَقَيْتُ
وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعَلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ: غَيْرِ آسِنٍ كَقَوْلِهِ: مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ.
قَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ الثِّمَارَ الَّتِي يُرْزَقُهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الْجَوْدَةِ وَالْحُسْنِ وَالْكَمَالِ، لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ رَدِيءٌ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا [٢ \ ٢٥] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ [٢٢ \ ١٩] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً [٤٧ \ ١٨] .