الضَّمِيرِ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ؟
فَالْجَوَابُ هُوَ مَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ، فَالْكَلَامُ دَالٌّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ فِي قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ الْآيَةَ [٢٢ \ ١٤] . هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالِانْقِلَابُ عَنِ الدِّينِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ [٢٢ \ ١١] انْقِلَابٌ عَمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: ثُمَّ لِيَقْطَعْ قَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ عَامِرٍ، وَوَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى الْأَصْلِ فِي لَامِ الْأَمْرِ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ تَخْفِيفًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ.
مَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ أَنْوَاعِ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ - أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِخْوَانَنَا الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا، وَمَنْ كُلِّ مَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ - جَاءَ مُبَيَّنًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَقَوْلُهُ هُنَا: قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ [٢٢ \ ١٩] ؛ أَيْ: قَطَّعَ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ النَّارِ ثِيَابًا، وَأَلْبَسَهُمْ إِيَّاهَا تَنْقَدُّ عَلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ فِيهِمْ: سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ [١٤ \ ٥٠] وَالسَّرَابِيلُ: هِيَ الثِّيَابُ الَّتِي هِيَ الْقُمُصُ، كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ، وَكَقَوْلِهِ: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [٧ \ ٤١] وَالْغَوَاشِي: جَمْعُ غَاشِيَةٍ، وَهِيَ غِطَاءٌ كَاللِّحَافِ، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا: قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ [٢٢ \ ١٩] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى هُنَا: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ: ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [٤٤ \ ٤٨ - ٤٩] وَالْحَمِيمُ: الْمَاءُ الْبَالِغُ شِدَّةَ الْحَرَارَةِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ الْآيَة [١٨ \ ٢٩] . وَقَوْلُهُ هُنَا يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ [٢٢ \ ٢٠] ؛ أَيْ: يُذَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute