قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ، بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ لَهُ اخْتِلَافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يَعْنِي: أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَاعِلُ لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَذْهَبُ بِاللَّيْلِ، وَيَأْتِي بِالنَّهَارِ، ثُمَّ يَذْهَبُ بِالنَّهَارِ وَيَأْتِي بِاللَّيْلِ، وَاخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَمِنْ أَعْظَمِ مِنَنِهِ عَلَى خَلْقِهِ كَمَا بَيَّنَ الْأَمْرَيْنِ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ الْآيَةَ [٢٨ \ ٧١ - ٧٣] ، أَيْ: لِتَسْكُنُوا فِي اللَّيْلِ وَتَطْلُبُوا مَعَايِشَكُمْ بِالنَّهَارِ. وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ، وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ الْآيَةَ [٤١ \ ٣٧] وَقَوْلِهِ: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ [٣٦ \ ٣٧] وَقَوْلِهِ: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ الْآيَةَ [٧ \ ٥٤] وَقَوْلِهِ: وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ [٣٦ \ ٤٠] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ الْآيَةَ [١٤ \ ٣٣] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ [١٠ \ ٦] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَيْ: تُدْرِكُونَ بِعُقُولِكُمْ أَنَّ الَّذِي يُنْشِئُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُخَالِفُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنَّهُ الْإِلَهُ الْحَقُّ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ - جَلَّ وَعَلَا -، الَّذِي لَا يَصِحُّ أَنْ يُسَوَّى بِهِ غَيْرُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، لَفَظَةُ بَلْ هُنَا لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَتِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ، مِنْ إِنْكَارِ الْبَعْثِ ; لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي قَوْلِهِ: أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ إِنْكَارٌ مِنْهُمْ لِلْبَعْثِ، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى إِنْكَارِهِمْ لِلْبَعْثِ كَثِيرَةٌ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُمْ: مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [٣٦ \ ٧٨] وَكَقَوْلِهِ عَنْهُمْ: وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [٦ \ ٢٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute