للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [٢٠ \ ١٦] أَيْ لَا يَصُدَّنَكَ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالسَّاعَةِ عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا، فَتَرْدَى: أَيْ تَهْلِكُ لِعَدَمِ إِيمَانِكَ بِهَا، وَالرَّدَى الْهَلَاكُ، وَهُوَ هُنَا عَذَابُ النَّارِ بِسَبَبِ التَّكْذِيبِ بِالسَّاعَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى [٩٢ \ ١١] وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةِ «طَهَ» هَذِهِ: (فَتَرْدَى) ، يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّهُ إِنْ صَدَّهُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالسَّاعَةِ عَنِ التَّصْدِيقِ بِهَا، أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا لِرَدَاهُ أَيْ هَلَاكِهِ بِعَذَابِ النَّارِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ فَآيَةُ الرُّومِ هَذِهِ، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَهُمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ مَعْدُودُونَ مَعَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، وَأَنَّهُمْ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ. وَهُوَ عَذَابُ النَّارِ. وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ [٢٥ \ ١١] أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِيهِ عِنْدِي أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَا يَلِيهِ، وَأَنَّ بَلْ فِيهِ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى السَّعِيرِ مَعَ بَعْضِ الشَّوَاهِدِ الْعَرَبِيَّةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْحَجِّ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا.

ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا رَأَتِ الْكُفَّارَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ: أَيْ فِي عَرَصَاتِ الْمَحْشَرِ اشْتَدَّ غَيْظُهَا عَلَى مَنْ كَفَرَ بِرَبِّهَا وَعَلَا زَفِيرُهَا فَسَمِعَ الْكُفَّارُ صَوْتَهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْظِهَا، وَسَمِعُوا زَفِيرَهَا.

وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بَيَّنَ بَعْضَهُ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ، فَأَوْضَحَ فِيهَا شِدَّةَ غَيْظِهَا عَلَى مَنْ كَفَرَ بِرَبِّهَا، وَأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ لَهَا أَيْضًا شَهِيقًا مَعَ الزَّفِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي آيَةِ الْفُرْقَانِ هَذِهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [٦٧ \ ٧ - ٨] أَيْ يَكَادُ بَعْضُهَا يَنْفَصِلُ عَنْ بَعْضٍ مِنْ شِدَّةِ غَيْظِهَا، عَلَى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى.

وَلِلْعُلَمَاءِ أَقْوَالٌ فِي مَعْنَى الزَّفِيرِ وَالشَّهِيقِ، وَأَقْرَبُهَا أَنَّهُمَا يُمَثِّلُهُمَا مَعًا صَوْتُ الْحِمَارِ فِي نَهِيقِهِ، فَأَوَّلُهُ زَفِيرٌ، وَآخِرُهُ الَّذِي يُرَدِّدُهُ فِي صَدْرِهِ شَهِيقٌ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا أَيْ سَمِعُوا غَلَيَانَهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْظِهَا، وَلَمَّا كَانَ سَبَبُ الْغَلَيَانِ التَّغَيُّظَ أَطْلَقَهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ. وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>