للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُلْزَمًا بِمَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ فِي نَصِّ الْآيَةِ.

وَالِائْتِمَارُ بِمَعْرُوفٍ يُشْعِرُ بِأَنَّ لِلْعُرْفِ دَخْلًا فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ تَنْبِيهٌ صَرِيحٌ بِأَنْ لَا يُضَارَّ أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ بِوَلَدِهِ وَأَنْ تَكُونَ الْمُفَاهَمَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ سَوَاءٌ فِي خُصُوصِ الرَّضَاعِ أَوْ غَيْرِهِ مَبْنَاهَا عَلَى الْمَعْرُوفِ وَالتَّسَامُحِ وَالْإِحْسَانِ وَفَاءً لِحَقِّ الْعِشْرَةِ السَّابِقَةِ، وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا الْآيَةَ.

ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي مُذَكِّرَةِ الْإِمْلَاءِ أَنَّ كَأَيِّنْ بِمَعْنَى كَمْ فَهِيَ إِخْبَارٌ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ، وَذَكَرَ إِعْرَابَهَا، وَالْمَعْنَى: كَثِيرٌ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا أَيْ: تَكَبَّرَتْ وَطَغَتْ وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ لِلْمَعْنَى بِالْأَمْثِلَةِ وَالشَّوَاهِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا [٢٢ \ ٤٥] فِي سُورَةِ «الْحَجِّ» .

وَمِمَّا قَدَّمَهُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا [١٨ \ ٥٩] ، بَيَانٌ لِأَصْحَابِ الرِّئَاسَةِ وَرِجَالِ السِّيَاسَةِ أَنَّ هَلَاكَ الدُّنْيَا بِفَسَادِ الدِّينِ، وَأَنَّ أَمْنَ الْقُرَى وَطُمَأْنِينَةَ الْعَالَمِ بِالْحِفَاظِ عَلَى الدِّينِ.

وَمِنْ هُنَا كَانَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي عَامَّةِ النَّاسِ لِلْحِفَاظِ عَلَى دِينِهِمْ وَسَلَامَةِ دُنْيَاهُمْ، فَحَمَّلَ الشَّارِعُ مُهِمَّتَهُ لِلْأُمَّةِ كُلِّهَا كُلٌّ بِحَسَبِهِ بِالْيَدِ أَوْ بِاللِّسَانِ أَوِ الْقَلْبِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ، وَمَعَ ضَعْفِهِ فَفِيهِ الْإِبْقَاءُ عَلَى دَوَامِ الْإِحْسَاسِ بِوُجُودِ الْمُنْكَرِ إِلَى أَنْ يَقْدِرَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى تَغْيِيرِهِ.

قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْمَفْهُومَ بِبَيَانِ حَالِ الَّذِينَ مَكَّنَهُمْ فِي الْأَرْضِ بِنَصْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [٢٢ \ ٤١] .

ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى الْأُمَمَ الَّتِي كَذَّبَتْ وَعَتَتْ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَلُوطٍ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ.

ثُمَّ قَالَ: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [٢٢ \ ٤٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>