وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ مِنَنِهِ الْمُتَتَابِعَةِ عَلَى مُوسَى حَيْثُ قَالَ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى [٢٠ ٣٧] أَشَارَ إِلَى مَا يُشْبِهُهُ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ الْآيَةَ [٣٧ ١١٤] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي.
مِنْ آثَارِ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ الَّتِي أَلْقَاهَا اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي «الْقَصَصِ» فِي قَوْلِهِ: وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ [٢٨ ٩] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي: أَيْ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَحَبَّبَهُ إِلَى خَلْقِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: جَعَلَ عَلَيْهِ مَسْحَةً مِنْ جَمَالٍ لَا يَكَادُ يَصْبِرُ عَنْهُ مَنْ رَآهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ فِي عَيْنَيْ مُوسَى مَلَاحَةٌ، مَا رَآهُ أَحَدٌ إِلَّا أَحَبَّهُ وَعَشِقَهُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ
قَوْلُهُ تَعَالَى إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ.
اخْتُلِفَ فِي الْعَامِلِ النَّاصِبِ لِلظَّرْفِ الَّذِي هُوَ «إِذْ» مِنْ قَوْلِهِ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَقِيلَ: هُوَ «أَلْقَيْتُ» أَيَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي حِينَ تَمْشِي أُخْتُكَ. وَقِيلَ: هُوَ «تُصْنَعَ» أَيْ «تُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي» حِينَ تَمْشِي أُخْتُكَ. وَقِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ «إِذْ» فِي قَوْلِهِ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ [٢٠ ٣٨] .
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَصِحُّ الْبَدَلُ، وَالْوَقْتَانِ مُخْتَلِفَانِ مُتَبَاعِدَانِ؟ قُلْتُ: كَمَا يَصِحُّ وَإِنِ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَتَبَاعَدَ طَرَفَاهُ أَنْ يَقُولَ لَكَ الرَّجُلُ: لَقِيتُ فُلَانًا سَنَةَ كَذَا. فَتَقُولُ: وَأَنَا لَقِيتُهُ إِذْ ذَاكَ. وَرُبَّمَا لَقِيَهُ هُوَ فِي أَوَّلِهَا وَأَنْتَ فِي آخِرِهَا.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: مِنْ كَوْنِ أُخْتِهِ مَشَتْ إِلَيْهِمْ، وَقَالَتْ لَهُمْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ أَوْضَحَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي سُورَةِ «الْقَصَصِ» فَبَيَّنَ أَنَّ أُخْتَهُ الْمَذْكُورَةَ مُرْسَلَةٌ مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا لِتَتَعَرَّفَ خَبَرَهُ بَعْدَ ذَهَابِهِ فِي الْبَحْرِ، وَأَنَّهَا أَبْصَرَتْهُ مِنْ بَعْدُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِذَلِكَ. وَأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ غَيْرَ أُمِّهِ تَحْرِيمًا كَوْنِيًّا قَدَرِيًّا. فَقَالَتْ لَهُمْ أُخْتُهُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ أَيْ عَلَى مُرْضِعٍ يَقْبَلُ هُوَ ثَدْيَهَا وَتَكْفُلُهُ لَكُمْ بِنُصْحٍ وَأَمَانَةٍ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [٢٨ ١١ - ١٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute