وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا [١٧ \ ١٧] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ «الْأَعْرَافِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [٧ \ ٥٤] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا.
قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي سُورَةِ «الْأَعْرَافِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الْآيَةَ [٧ \ ٥٤] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا.
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ: اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ، أَيْ: قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ، تَجَاهَلُوا الرَّحْمَنَ، وَقَالُوا: وَمَا الرَّحْمَنُ، وَأَنْكَرُوا السُّجُودَ لَهُ تَعَالَى، وَزَادَهُمْ ذَلِكَ نُفُورًا عَنِ الْإِيمَانِ وَالسُّجُودِ لَلرَّحْمَنِ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالسُّجُودِ لَهُ وَحْدَهُ جَلَّ وَعَلَا مَذْكُورًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [٤١ \ ٣٧] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [٥٣ \ ٦٢] وَقَدْ وَبَّخَهُمْ تَعَالَى عَلَى عَدَمِ امْتِثَالِ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ [٨٤ \ ٢١] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ [٧٧ \ ٤٨] وَتَجَاهُلُهُمْ لِلرَّحْمَنِ هُنَا أَجَابَهُمْ عَنْهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [٥٥ \ ١ - ٤] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [١٧ \ ١١٠] وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْ هَذَا فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الرَّحْمَنَ هُوَ اللَّهُ، وَأَنَّ تَجَاهُلَهُمْ لَهُ تَجَاهُلُ عَارِفٍ، وَأَدِلَّةَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ هُنَا: وَزَادَهُمْ نُفُورًا، جَاءَ مَعْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute