بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
سُورَةُ الْمَاعُون
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ.
الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فِيهِ اسْمُ الْمَوْصُولِ مُبْهَمٌ بَيَّنَهُ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى، أَنَّ الْإِيمَانَ بِيَوْمِ الدِّينِ يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى إِطْعَامِ الْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [٧٦ \ ٨] .
ثُمَّ قَالَ مُبَيِّنًا الدَّافِعَ عَلَى إِطْعَامِهِمْ إِيَّاهُمْ: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [٧٦ \ ٩ - ١٠] .
وَهُنَا سُؤَالٌ: وَهُوَ لِمَ خَصَّ الْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ عَمَّنْ يَرْتَكِبُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ دَعَّ الْيَتِيمَ، وَهُوَ دَفْعُهُ وَزَجْرُهُ، وَعَدَمَ الْحَضِّ عَلَى إِطْعَامِ الْمِسْكِينِ، وَبِالتَّالِي عَدَمَ إِطْعَامِهِ هُوَ مِنْ عِنْدِهِ؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُمَا نَمُوذَجَانِ، وَمِثَالَانِ فَقَطْ.
وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا: مِثَالٌ لِلْفِعْلِ الْقَبِيحِ.
وَالثَّانِي: مِثَالٌ لِلتَّرْكِ الْمَذْمُومِ.
وَلِأَنَّهُمَا عَمَلَانِ إِنْ لَمْ يَكُونَا إِسْلَامِيَّيْنِ فَهُمَا إِنْسَانِيَّانِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ.
وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى تَوْجِيهٌ لِلْجَوَابِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَخَافُ مِنَ اللَّهِ يَوْمًا عَبُوسًا، وَعَبَّرَ بِالْعَبُوسِ فِي حَقِّ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لِئَلَّا يَعْبَسَ هُوَ فِي وَجْهِ الْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ لِضَعْفِهِمَا.
وَمِنْ جَانِبٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ التَّكْذِيبُ بِيَوْمِ الدِّينِ يَحْمِلُ عَلَى كُلِّ الْمُوبِقَاتِ، إِلَّا أَنَّهَا