للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى وُقُوعَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ [٤٢ \ ٤٧] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ [٧٥ \ ٧ - ١١] وَالْوَزَرُ: الْمَلْجَأُ، وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

وَالنَّاسُ إِلْبٌ عَلَيْنَا فِيكَ لَيْسَ لَنَا ... إِلَّا الرِّمَاحُ وَأَطْرَافُ الْقَنَا وَزَرُ

وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [١٨ \ ٥٨] وَالْمَوْئِلُ اسْمُ مَكَانٍ مِنْ وَأَلَ يَئِلُ إِذَا وَجَدَ مَلْجَأً يَعْتَصِمُ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى مَيْمُونِ بْنِ قَيْسٍ:

وَقَدْ أُخَالِسُ رَبَّ الْبَيْتِ غَفْلَتَهُ ... وَقَدْ يُحَاذِرُ مِنِّي ثُمَّ مَا يَئِلُ

أَيْ: ثُمَّ مَا يَنْجُو.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ. ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ عَجِبُوا مِنْ أَجْلِ أَنْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، مِنْ عَجَبِهِمُ الْمَذْكُورِ، ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ وَأَوْضَحَ تَعَالَى سَبَبَهُ وَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، فَقَالَ فِي عَجَبِهِمُ الْمَذْكُورِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ [٥٠ \ ١ - ٢] .

وَقَالَ تَعَالَى فِي إِنْكَارِهِ عَلَيْهِمْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ يُونُسَ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ [١٠ \ ١ - ٢] وَذَكَرَ مِثْلَ عَجَبِهِمُ الْمَذْكُورِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ عَنْ قَوْمِ نُوحٍ وَقَوْمِ هُودٍ، فَقَالَ عَنْ نُوحٍ مُخَاطِبًا لِقَوْمِهِ: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [٧ \ ٦٣] .

وَقَالَ عَنْ هُودٍ مُخَاطِبًا لِعَادٍ: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ الْآيَةَ [٧ \ ٦٩] ، وَبَيَّنَ أَنَّ سَبَبَ عَجَبِهِمْ مَنْ كَوْنِ الْمُنْذِرِ مِنْهُمْ أَنَّهُ بَشَرٌ مِثْلَهُمْ زَاعِمِينَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَحَدًا مَنْ جِنْسِهِمْ. وَأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أَحَدًا لَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَشَرًا مِثْلَهُمْ وَأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>