للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَعْضِ أَفْرَادِهِ ; لِأَنَّ الْمَالَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْخَيْرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا [٢ \ ١٨٠] ، أَيْ: مَالًا ; لِأَنَّ عَمَلَ الْخَيْرِ يَصْحَبُهُ مَعَهُ وَلَا يَتْرُكُهُ.

وَفِي مَعْنَى هَذَا وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ أَيْ بِسَبَبِ حُبِّهِ الْخَيْرَ لِشَدِيدٌ بَخِيلٌ، شَدِيدُ الْبُخْلِ.

كَمَا قِيلَ:

أَرَى الْمَوْتَ يَعْتَامُ الْكِرَامَ وَيَصْطَفِي ... عَقِيلَةَ مَالِ الْفَاحِشِ الْمُتَشَدِّد

أَيْ: شَدِيدِ الْبُخْلِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَإِنَّهُ لَشَدِيدُ حُبِّ الْمَالِ. قَالَهُمَا ابْنُ كَثِيرٍ.

وَقَالَ: كِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ الثَّانِيَ يَتَضَمَّنُ الْأَوَّلَ.

وَيَشْهَدُ لِلْوَجْهِ الثَّانِي، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا.

وَقُلْنَا: إِنَّ الثَّانِيَ يَتَضَمَّنُ الْأَوَّلَ ; لِأَنَّ مَنْ أَحَبَّ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا سَيَحْمِلُهُ حُبُّهُ عَلَى الْبُخْلِ.

وَفِي هَذَا النَّصِّ مَذَمَّةُ حُبِّ الْمَالِ وَهُوَ جِبِلَّةٌ فِي الْإِنْسَانِ، إِلَّا مَنْ هَذَّبَهُ الْإِسْلَامُ، إِلَّا أَنَّ الذَّمَّ يَنْصَبُّ عَلَى شِدَّةِ الْحُبِّ الَّتِي تَحْمِلُ صَاحِبَهَا عَلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ أَوْ تَعَدِّي الْحُدُودِ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ وَمَا قَبْلَهَا نَازِلَةٌ فِي الْكُفَّارِ كَمَا قَدَّمْنَا كَلَامَ الشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ فِي إِمْلَائِهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ.

الْبَعْثَرَةُ: الِانْتِثَارُ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَصْلَيْنِ: الْبَعْثُ وَالنَّثْرُ.

فَالْبَعْثُ: خُرُوجُهُمْ أَحْيَاءً.

وَالنَّثْرُ: الِانْتِشَارُ كَنَثْرِ الْحَبِّ، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى بَعْثِهِمْ مُنْتَشِرِينَ.ُُ

<<  <  ج: ص:  >  >>