للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُنَافِي أَنَّ الدَّمَ لَوْ تَمَادَى عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْأَرْبَعِينَ لَجَلَسَتْ أَكْثَرَ مِنَ الْأَرْبَعِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: «عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَرَى النِّفَاسَ شَهْرَيْنِ» ، وَذَلِكَ مُشَاهَدٌ كَثِيرًا فِي النِّسَاءِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ.

بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ السِّرَّ وَالْجَهْرَ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، وَأَنَّ الِاخْتِفَاءَ وَالظُّهُورَ عِنْدَهُ أَيْضًا سَوَاءٌ ; لِأَنَّهُ يَسْمَعُ السِّرَّ كَمَا يَسْمَعُ الْجَهْرَ، وَيَعْلَمُ الْخَفِيَّ كَمَا يَعْلَمُ الظَّاهِرَ، وَقَدْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وَقَوْلِهِ: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَقَوْلِهِ: أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُسْتَخْفِي بِاللَّيْلِ وَالسَّارِبِ بِالنَّهَارِ: أَنَّ الْمُسْتَخْفِيَ هُوَ الْمُخْتَفِي الْمُسْتَتِرُ عَنِ الْأَعْيُنِ، وَالسَّارِبَ هُوَ الظَّاهِرُ الْبَارِزُ الذَّاهِبُ حَيْثُ يَشَاءُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْنَسِ بْنِ شِهَابٍ التَّغْلِبِيِّ:

وَكُلُّ أُنَاسٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ ... وَنَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَهُ فَهُوَ سَارِبُ

أَيْ: ذَاهِبٌ حَيْثُ يَشَاءُ ظَاهِرٌ غَيْرُ خَافٍ.

وَقَوْلُ قَيْسِ بْنِ الْخَطِيمِ:

أَنِّي سَرَبْتُ وَكُنْتُ غَيْرَ سَرُوبِ ... وَتُقَرِّبُ الْأَحْلَامُ غَيْرَ قَرِيبِ

وَقِيلَ: السَّارِبُ: الدَّاخِلُ فِي السِّرْبِ لِيَتَوَارَى فِيهِ، وَالْمُسْتَخْفِي: الظَّاهِرُ، مِنْ: خَفَاهُ يَخْفِيهِ: إِذَا أَظْهَرَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفَاقِهِنَّ كَأَنَّمَا ... خَفَاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ عَشِيٍّ مُجَلَّبِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ.

بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْعَافِيَةِ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَسْلُبُ قَوْمًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>