الْإِنَاثَ، قَالَ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي شِعْرٍ قَدِيمٍ وَلَا رَوَاهُ عَنِ الْعَرَبِ الثِّقَاتِ، وَأَجْزَأَتِ الْمَرْأَةُ وَلَدَتِ الْإِنَاثَ، وَأَنْشَدَ أَبُو حَنِيفَةَ:
زَوَّجْتُهَا مِنْ بَنَاتِ الْأَوْسِ مُجْزِئَةً
الْبَيْتَ.
انْتَهَى الْغَرَضُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ اللِّسَانِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنِ الزُّجَاجِ أَنَّ قَوْلَهُمْ: أَجْزَأَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا وَلَدَتِ الْإِنَاثَ - مَعْرُوفٌ ; وَلِذَا ذَكَرَهُ وَذَكَرَ الْبَيْتَ الَّذِي أَنْشَدَهُ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ كَالْمُسَلِّمِ لَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ التَّحْقِيقُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُزْءِ فِي الْآيَةِ الْوَلَدُ، وَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الْجُزْءِ ; لِأَنَّ الْفَرْعَ كَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَصْلِهِ، وَالْوَلَدَ كَأَنَّهُ بِضْعَةٌ مِنَ الْوَالِدِ، كَمَا لَا يَخْفَى.
وَأَمَّا كَوْنُ الْمُرَادِ بِالْوَلَدِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْجُزْءِ فِي الْآيَةِ - خُصُوصُ الْإِنَاثِ، فَقَرِينَةُ السِّيَاقِ دَالَّةٌ عَلَيْهِ دَلَالَةً وَاضِحَةً ; لِأَنَّ جَعْلَ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ لِلَّهِ مِنْ عِبَادِهِ هُوَ بِعَيْنِهِ الَّذِي أَنْكَرَهُ اللَّهُ إِنْكَارًا شَدِيدًا، وَقَرَّعَ مُرْتَكِبَهُ تَقْرِيعًا شَدِيدًا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - بَعْدَهُ: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا إِلَى قَوْلِهِ: وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [٤٣ \ ١٦ - ١٨] .
وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ جُزْءًا بِضَمِّ الزَّايِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِإِسْكَانِهَا، وَحَمْزَةُ عِنْدَ الْوَقْفِ يُسْقِطُ الْهَمْزَةَ بِنَقْلِ حَرَكَتِهَا إِلَى الزَّايِ مَعَ حَذْفِ التَّنْوِينِ لِلْوَقْفِ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ.
(أَمْ) هُنَا بِمَعْنَى اسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِ ; فَالْكُفَّارُ لَمَّا قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ - أَنْكَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ، مُوَبِّخًا لَهُمْ أَشَدَّ التَّوْبِيخِ ; حَيْثُ افْتَرَوْا عَلَيْهِ الْوَلَدَ، ثُمَّ جَعَلُوا لَهُ أَنْقَصَ الْوَلَدَيْنِ وَأَحْقَرَهُمَا، وَهُوَ الْأُنْثَى، كَمَا قَالَ هُنَا: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ، وَهِيَ النَّصِيبُ الْأَدْنَى مِنَ الْأَوْلَادِ، (وَأَصْفَاكُمْ) أَنْتُمْ، أَيْ خُصِّكُمْ وَآثَرَكُمْ (بِالْبَنِينَ) الَّذِينَ هُمُ النَّصِيبُ الْأَعْلَى مِنَ الْأَوْلَادِ.
وَإِنْكَارُ هَذَا عَلَيْهِمْ وَتَوْبِيخُهُمْ عَلَيْهِ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ هُنَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute