[٧٣ ٢٠] . وَأَصْلُ الشَّقَاءِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: الْعَنَاءُ، وَالتَّعَبُ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ:
ذُو الْعَقْلِ يَشْقَى فِي النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ ... وَأَخُو الْجَهَالَةِ فِي الشَّقَاوَةِ يَنْعَمُ
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [٢٠ ١١٧] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى.
أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِيهِ: أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، أَيْ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ إِلَّا تَذْكِرَةً، أَيْ إِلَّا لِأَجْلِ التَّذْكِرَةِ لِمَنْ يَخْشَى اللَّهَ وَيَخَافُ عَذَابَهُ. وَالتَّذْكِرَةُ: الْمَوْعِظَةُ الَّتِي تَلِينُ لَهَا الْقُلُوبُ. فَتَمْتَثِلُ أَمْرَ اللَّهِ، وَتَجْتَنِبُ نَهْيَهُ. وَخَصَّ بِالتَّذْكِرَةِ مَنْ يَخْشَى دُونَ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [٥٠ \ ٤٥] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ [٣٦ ١١] وَقَوْلِهِ: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا [٧٩ ٤٥] . فَالتَّخْصِيصُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَاتِ بِمَنْ تَنْفَعُ فِيهِمُ الذِّكرَى لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ. وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ مَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ إِلَّا لِلتَّذْكِرَةِ بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ [٨١ ٢٧ - ٢٨] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ [٦ ٩٠] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَإِعْرَابُ إِلَّا تَذْكِرَةً بِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ لِتَشْقَى لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ التَّذْكِرَةَ لَيْسَتْ بِشَقَاءٍ. وَإِعْرَابُهُ مَفْعُولًا مُطْلَقًا أَيْضًا غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى:
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ هَذَا التَّعَبَ الشَّاقَّ إِلَّا لِيَكُونَ تَذْكِرَةً. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَذْكِرَةً حَالًا وَمَفْعُولًا لَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا.
فِي قَوْلِهِ تَنْزِيلًا أَوْجُهٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْإِعْرَابِ ذَكَرَهَا الْمُفَسِّرُونَ. وَأَظْهَرُهَا عِنْدِي أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، مَنْصُوبٌ بِنَزَّلَ مُضْمَرَةً دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى أَيْ نَزَّلَهُ اللَّهُ تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ أَيْ فَلَيْسَ بِشِعْرٍ، وَلَا كِهَانَةٍ، وَلَا سِحْرٍ، وَلَا أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ، كَمَا دَلَّ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [٦٩ ٤١] ، وَالْآيَاتُ الْمُصَرِّحَةُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرَةٌ جِدًّا مَعْرُوفَةٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute