أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ.
وَأَوْضَحَ هَذَا فِي آيَاتٍ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ فِي «سُورَةِ فَاطِرٍ» : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ [٣٥ \ ٢٧] ، وَقَوْلِهِ: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [٣٠ \ ٢٢] ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَلْوَانِ وَالْمَنَاظِرِ وَالْمَقَادِيرِ وَالْهَيْئَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ; فِيهِ الدَّلَالَةُ الْقَاطِعَةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - وَاحِدٌ، لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ وَلَا شَرِيكَ، وَأَنَّهُ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ.
وَفِيهِ الدَّلَالَةُ الْقَاطِعَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ تَأْثِيرٍ فَهُوَ بِقُدْرَةِ وَإِرَادَةِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، وَأَنَّ الطَّبِيعَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي شَيْءٍ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ - جَلَّ وَعَلَا -.
كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [١٣ \ ٤] ، فَالْأَرْضُ الَّتِي تَنْبُتُ فِيهَا الثِّمَارُ وَاحِدَةٌ ; لِأَنَّ قِطَعَهَا مُتَجَاوِرَةٌ، وَالْمَاءَ الَّذِي تُسْقَى بِهِ مَاءٌ وَاحِدٌ، وَالثِّمَارُ تَخْرُجُ مُتَفَاضِلَةً، مُخْتَلِفَةً فِي الْأَلْوَانِ وَالْأَشْكَالِ وَالطُّعُومِ، وَالْمَقَادِيرِ وَالْمَنَافِعِ.
فَهَذَا أَعْظَمُ بُرْهَانٍ قَاطِعٍ عَلَى وُجُودِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ كَيْفَ يَشَاءُ، سُبْحَانَهُ - جَلَّ وَعَلَا - عَنِ الشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ.
وَمِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الطَّبِيعَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي شَيْءٍ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ - جَلَّ وَعَلَا -: أَنَّ النَّارَ مَعَ شِدَّةِ طَبِيعَةِ الْإِحْرَاقِ فِيهَا ; أُلْقِيُ فِيهَا الْحَطَبُ وَإِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَطَبَ أَصْلَبُ وَأَقْسَى وَأَقْوَى مِنْ جَلْدِ إِبْرَاهِيمَ وَلَحْمِهِ، فَأَحْرَقَتِ الْحَطَبَ بِحَرِّهَا، وَكَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بَرْدًا وَسَلَامًا ; لَمَّا قَالَ لَهَا خَالِقُهَا: قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [٢١ \ ٦٩] ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ كَائِنًا مَا كَانَ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ - جَلَّ وَعَلَا -، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: يَذَّكَّرُونَ [١٦ \ ١٣] ، أَصْلُهُ: يَتَذَكَّرُونَ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الذَّالِ. وَالِادِّكَارُ: الِاعْتِبَارُ وَالِاتِّعَاظُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute