خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، فَإِذَا أَعْوَزَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا حَلَفَ مَعَ الشَّاهِدِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَسْتَشْهِدُ بِاللَّهِ الَّذِي يَعْلَمُ مِنِّي صِدْقَ دَعْوَايَ.
وَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إِذَا عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنِ الْبَيِّنَةِ وَكَانَتِ الدَّعْوَى مُتَوَجِّهَةً، وَمِمَّا يُشْبِهُ، كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَقُولُ: لَدَيَّ الْبَيِّنَةُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيَّ، أَلَا وَهُوَ خَيْرُ الشَّاهِدِينَ.
مَنْ هُوَ أَكْبَرُ شَهَادَةً مِمَّا عَجَزَ عَنْهَا الْمُدَّعِي أَلَا وَهُوَ الِاسْتِشْهَادُ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَيَحْلِفُ عَلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِمَّا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ.
وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ حَقِيقَةُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» أَيْ ; لِأَنَّ الْحَالِفَ يُقِيمُ الْمَحْلُوفَ بِهِ مَقَامَ الشُّهُودِ الَّذِينَ رَأَوْا أَوْ سَمِعُوا، وَالْمَخْلُوقُ إِذَا كَانَ غَائِبًا لَا يَرَى وَلَا يَسْمَعُ، فَإِذَا حَلَفَ بِهِ كَانَ قَدْ أَعْطَاهُ صِفَاتِ مَنْ يَرَى وَيَسْمَعُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى الْحَالِفُ وَالْمُسْتَحْلِفُ بِاللَّهِ يَعْلَمَانِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَغَيْرُ اللَّهِ إِذَا مَا حُلِفَ بِهِ لَا يَقْوَى وَلَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَا لِلَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ
«مُهْطِعِينَ» : أَيْ مُسْرِعِينَ نَافِرِينَ، «وَعِزِينَ» جَمْعُ عِزَةٍ، وَهُمُ الْجَمَاعَةُ، أَيْ: مَا بَالُ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ الْمُنْصَرِفِينَ عَنْكَ مُتَفَرِّقِينَ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:
وَنَحْنُ وَجَنْدَلٌ بَاغٍ تَرَكْنَا ... كَتَائِبَ جَنْدَلٍ شَتَّى عِزِينَ
وَكَذَلِكَ هُنَا فَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَاتٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ. تَفَرَّقَتْ بِهِمُ الْأَهْوَاءُ، وَأَخَذَتْهُمُ الْحَيْرَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [٧٤ \ ٤٩ - ٥١] .
وَنَقَلَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ، مُخْتَلِفُونَ، مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute