الصَّالِحِ، كَمَا قِيلَ أَيْضًا:
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا ... فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ فِي الْعَمَلِ
وَفِي آيَةِ: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى تَقْدِيمُ بُشْرَى خَفِيَّةٍ لَطِيفَةٍ بِالنَّصْرِ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهِيَ تَقْدِيمُ قَوْلِهِ: فَيَقْتُلُونَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ فَيَقْتُلُونَ عَدُوَّهُمْ، وَيُقْتَلُونَ [٩ \ ١١١] بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، لِأَنَّ التَّقْدِيمَ هُنَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ الْعَدُوَّ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ وَيُصِيبُونَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ مِنْهُمْ، وَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ فِي مَوْقِفِ الْقُوَّةِ وَالنَّصْرِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ الْآيَةَ
فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا إِشْعَارُ الْمُسْلِمِينَ بِالنَّصْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [٦١ \ ١٤] ، وَلَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا هَلْ كَانُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا كَانَ الْحَوَارِيُّونَ أَنْصَارَ اللَّهِ أَمْ لَا؟
وَقَدْ جَاءَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ بِالْفِعْلِ أَنْصَارُ اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [٥٩ \ ٨] .
وَكَذَلِكَ الْأَنْصَارُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ [٩ \ ١٠٠] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا [٤٨ \ ٢٩] فَأَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ هُوَ مَعْنَى يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْمَثَلُ الْمَضْرُوبُ لَهُمْ بِالتَّآزُرِ وَالتَّعَاوُنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [٤٨ \ ٢٩] فَسَمَّاهُمْ أَنْصَارًا، وَبَيَّنَ نُصْرَتَهُمْ سَوَاءٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute