للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

تَنْبِيهٌ لُغَوِيٌّ

اعْلَمْ أَنَّ مَادَّةَ الشُّكْرِ تَتَعَدَّى إِلَى النِّعْمَةِ تَارَةً، وَإِلَى الْمُنْعِمِ أُخْرَى، فَإِنْ عُدِّيَتْ إِلَى النِّعْمَةِ تَعَدَّتْ إِلَيْهَا بِنَفْسِهَا دُونَ حَرْفِ الْجَرِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ [٢٧ \ ١٩] ، وَإِنْ عُدِّيَتْ إِلَى الْمُنْعِمِ تَعَدَّتْ إِلَيْهِ بِحَرْفِ الْجَرِّ الَّذِي هُوَ اللَّامُ كَقَوْلِكَ: نَحْمَدُ اللَّهَ وَنَشْكُرُ لَهُ، وَلَمْ تَأْتِ فِي الْقُرْآنِ مُعَدَّاةً إِلَّا بِاللَّامِ، كَقَوْلِهِ: وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [٢ \ ١٥٢] ، وَقَوْلِهِ: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [٣١ \ ١٤] ، وَقَوْلِهِ: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [١٦ \ ١١٤] ، وَقَوْلِهِ: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [٢٩ \ ١٧] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَهَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْفُصْحَى، وَتَعْدِيَتُهَا لِلْمَفْعُولِ بِدُونِ اللَّامِ لُغَةٌ لَا لَحْنٌ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي نُخَيْلَةَ:

شَكَرْتُكَ إِنَّ الشُّكْرَ حَبْلُ مَنِ اتَّقَى ... وَمَا كُلُّ مَنْ أَوْلَيْتَهُ نِعْمَةً يَقْضِي

وَقَوْلُ جَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ:

خَلِيلَيَّ عُوجَا الْيَوْمَ حَتَّى تُسَلِّمَا ... عَلَى عَذْبَةِ الْأَنْيَابِ طَيِّبَةِ النَّشْرِ

فَإِنَّكُمَا إِنْ عُجْتُمَا لِيَ سَاعَةً ... شَكَرْتُكُمَا حَتَّى أُغَيَّبَ فِي قَبْرِي

وَهَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ اقْتِرَانَ جَوَابِ «لَوْ» بِاللَّامِ، وَعَدَمَ اقْتِرَانِهِ بِهَا كِلَاهُمَا سَائِغٌ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا [٥٦ \ ٦٥] ، بِاللَّامِ ثُمَّ قَالَ: لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا [٥٦ \ ٧٠] ، بِدُونِهَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّتِي تُورُونَ [٥٦ \ ٧١] ، أَيْ تُوقِدُونَهَا مِنْ قَوْلِهِمْ: أَوْرَى النَّارَ إِذَا قَدَحَهَا وَأَوْقَدَهَا، وَالْمَعْنَى: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُوقِدُونَهَا مِنَ الشَّجَرِ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا الَّتِي تُوقَدُ مِنْهَا، أَيْ أَوْجَدْتُمُوهَا مِنَ الْعَدَمِ؟

وَالْجَوَابُ الَّذِي لَا جَوَابَ غَيْرُهُ: أَنْتَ يَا رَبَّنَا هُوَ الَّذِي أَنْشَأْتَ شَجَرَتَهَا، وَنَحْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>