قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا، أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «جِئْتُ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ أَتَقَاضَاهُ حَقًّا لِي عِنْدَهُ، فَقَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: لَا، حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ لِي هُنَاكَ مَالًا فَأَقْضِيكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا» ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ: لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا الِاسْتِهْزَاءُ بِالدِّينِ وَبِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ يُؤْتَى مَالًا وَوَلَدًا قِيَاسًا مِنْهُ لِلْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا، كَمَا بَيَّنَّا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى [٤١ \ ٥٠] ، وَقَوْلِهِ: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ الْآيَةَ [٢٣ \ ٥٥ - ٥٦] ، وَقَوْلِهِ: وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [٣٤ \ ٣٥] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ، وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: «وَوُلْدًا» بِضَمِّ الْوَاوِ الثَّانِيَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ مَعًا، وَهُمَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ كَالْعُرْبِ وَالْعَرَبِ، وَالْعُدْمِ وَالْعَدَمِ، وَمِنْ إِطْلَاقِ الْعَرَبِ الْوُلْدَ بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ كَقِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ قَوْلُ الْحَارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ:
وَلَقَدْ رَأَيْتُ مَعَاشِرًا ... قَدْ ثَمَّرُوا مَالًا وَوُلْدَا
وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ فَرْدَا ... لَمْ يَتَّخِذْ مِنْ وُلْدِ شَيْءٍ وُلْدَا
وَزَعَمَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ: أَنَّ الْوَلَدَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ مُفْرَدٌ، وَأَنَّ الْوُلْدَ بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ جَمْعٌ لَهُ، كَأَسَدٍ بِالْفَتْحِ يُجْمَعُ عَلَى أُسْدٍ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ صِحَّةِ هَذَا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ «الْوُلْدَ» بِالضَّمِّ لَيْسَ بِجَمْعٍ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَلَيْتَ فُلَانًا كَانَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ... وَلَيْتَ فُلَانًا كَانَ وُلْدَ حِمَارِ
لِأَنَّ «الْوُلْدَ» فِي هَذَا الْبَيْتِ بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَهُوَ مُفْرَدٌ قَطْعًا كَمَا تَرَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلَّا.
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ رَدَّ عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute