فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفِعْلٍ أُضْمِرَا حَتْمًا مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُو فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى.
أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عِبَادَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنْ يَدْعُوهُ بِمَا شَاءُوا مِنْ أَسْمَائِهِ، إِنْ شَاءُوا قَالُوا: يَا أَللَّهُ، وَإِنْ شَاءُوا قَالُوا: يَا رَحْمَنُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ جَلَّ وَعَلَا.
وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [٧ \ ١٨٠] ، وَقَوْلِهِ: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [٥٩ \ ٢٢، ٢٣] .
وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: أَنَّهُمْ تَجَاهَلُوا اسْمَ الرَّحْمَنِ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ الْآيَةَ [٢٥ \ ٦٠] ، وَبَيَّنَ لَهُمْ بَعْضَ أَفْعَالِ الرَّحْمَنِ جَلَّ وَعَلَا فِي قَوْلِهِ: الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [٥٥ \ ١ - ٤] ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ قَوْلَهُ: الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ: قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ الْآيَةَ [٢٥ \ ٦٠] ، وَسَيَأْتِي لِهَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ زِيَادَةُ إِيضَاحٍ «فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا.
أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ النَّاسَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِأَنَّ أَمْرَ الْقُدْوَةِ أَمْرٌ لِأَتْبَاعِهِ كَمَا قَدَّمْنَا) أَنْ يَقُولُوا: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» أَيْ: كُلُّ ثَنَاءٍ جَمِيلٍ لَائِقٍ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، ثَابِتٌ لَهُ، مُبَيِّنًا أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْأَوْلَادِ وَالشُّرَكَاءِ وَالْعِزَّةِ بِالْأَوْلِيَاءِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عُلُوًّا كَبِيرًا.
فَبَيَّنَ تَنَزُّهَهُ عَنِ الْوَلَدِ وَالصَّاحِبَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [١١٢ \ ١] إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، وَقَوْلِهِ: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا [٧٢ \ ٣] ، وَقَوْلِهِ: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [٦ \ ١٠١] ، وَقَوْلِهِ: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute