للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةُ الْأَنْعَامِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَعْدِلُونَ [٦ \ ١] ، وَجْهَانِ لِلْعُلَمَاءِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنَ الْعُدُولِ عَنِ الشَّيْءِ بِمَعْنَى الِانْحِرَافِ، وَالْمَيْلِ عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: بِرَبِّهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: كَفَرُوا، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَمِيلُونَ وَيَنْحَرِفُونَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ إِلَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، وَقِيلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: إِنَّ «الْبَاءَ» بِمَعْنَى «عَنْ» أَيْ: يَعْدِلُونَ عَنْ رَبِّهِمْ، فَلَا يَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهِ بِطَاعَةٍ، وَلَا إِيمَانٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ «الْبَاءَ» مُتَعَلِّقَةٌ بِيَعْدِلُونَ، وَمَعْنَى يَعْدِلُونَ يَجْعَلُونَ لَهُ نَظِيرًا فِي الْعِبَادَةِ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: عَدَلْتُ فُلَانًا بِفُلَانٍ إِذَا جَعَلْتُهُ لَهُ نَظِيرًا وَعَدِيلًا، وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ: [الْوَافِرُ]

أَثَعْلَبَةَ الْفَوَارِسِ أَمْ رِيَاحًا ... عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ وَالْخِشَابَا

يَعْنِي أَجَعَلْتَ طُهَيَّةَ وَالْخِشَابَ نُظَرَاءَ وَأَمْثَالًا لِبَنِي ثَعْلَبَةَ وَبَنِي رِيَاحٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ الْأَخِيرُ يَدُلُّ لَهُ الْقُرْآنُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى، عَنِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ عَدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [٢٦ \ ٩٧، ٩٨] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [٢ \ ١٦٥] ، وَأَشَارَ تَعَالَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ إِلَى أَنَّ الْكُفَّارَ سَاوَوْا بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْخَالِقِ، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، كَقَوْلِهِ: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [١٣ \ ١٦] ، وَقَوْلِهِ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [١٦ \ ١٧] ، وَقَوْلِهِ: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ الْآيَةَ [٣٠ \ ٢٨] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَعِدْلُ الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ مِثْلُهُ وَنَظِيرُهُ، قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ: إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، فَهُوَ عِدْلٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَإِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَهُوَ عَدْلٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُ مُهَلْهِلٍ: [الْوَافِرُ]

<<  <  ج: ص:  >  >>