وَعَمُونَ جَمْعُ عَمٍ، وَهُوَ الْوَصْفُ مِنْ عَمِيَ يَعْمَى فَهُوَ أَعْمَى وَعَمٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ [٧ \ ٦٤] وَقَوْلُ زُهَيْرٍ فِي مُعَلَّقَتِهِ:
وَأَعْلَمُ عِلْمَ الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ قَبْلَهُ ... وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي عِيسَى، فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» ، ادِّعَاءَهُمْ عَلَى أُمِّهِ الْفَاحِشَةَ، مَعَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ آمَنَتْ بِهِ ; كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ [٦١ \ ٤١] وَالطَّائِفَةُ الَّتِي آمَنَتْ قَالَتِ الْحَقَّ فِي عِيسَى، وَالَّتِي كَفَرَتِ افْتَرَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمِّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» .
وَقَدْ قَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» وَسُورَةِ «النِّسَاءِ» وَغَيْرِهِمَا، حَقِيقَةَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَهِيَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ [١٩ \ ٣٠] وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [٤ \ ١٧١] وَلَمَّا بَيَّنَ لَهُمْ حَقِيقَةَ أَمْرِهِ مُفَصَّلَةً فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» قَالَ: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [١٩ \ ٣٤] وَذَلِكَ يُبَيِّنُ بَعْضَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى هُنَا: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِينَ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْكَهْفِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ الْآيَةَ [١٨ \ ١] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ. اعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ الْقُرْآنِيَّةُ وَاسْتِقْرَاءُ الْقُرْآنِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى، لَا يَصِحُّ فِيهِ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا تَفْسِيرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْنَى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى، أَيْ: لَا تُسْمِعُ الْكُفَّارَ الَّذِينَ أَمَاتَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، وَكَتَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ إِسْمَاعَ هُدًى وَانْتِفَاعٍ ; لِأَنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءَ، فَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَعَلَى سَمْعِهِمْ، وَجَعَلَ عَلَى قُلُوبِهِمُ الْأَكِنَّةَ، وَفِي آذَانِهِمُ الْوَقْرَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute