وَالْبَعِيرُ، وَالشَّحْمُ الْخَالِصُ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ - وَهُوَ الثُّرُوبُ - وَشَحْمُ الْكُلَى. أَمَّا الشَّحْمُ الَّذِي عَلَى الظَّهْرِ، وَالَّذِي فِي الْحَوَايَا وَهِيَ الْأَمْعَاءُ، وَالْمُخْتَلِطُ بِعَظْمٍ كَلَحْمِ الذَّنَبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشُّحُومِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالْعِظَامِ ; فَهُوَ حَلَالٌ لَهُمْ ; كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، أَثْنَى اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ عَلَى نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: بِأَنَّهُ أُمَّةٌ ; أَيْ: إِمَامٌ مُقْتَدًى بِهِ، يَعْلَمُ النَّاسَ الْخَيْرَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [٢ \ ١٢٤] ، وَأَنَّهُ قَانِتٌ لِلَّهِ، أَيْ: مُطِيعٌ لَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّهُ شَاكِرٌ لِأَنْعُمِ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ اجْتَبَاهُ، أَيِ: اخْتَارَهُ وَاصْطَفَاهُ. وَأَنَّهُ هَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَكَرَّرَ هَذَا الثَّنَاءَ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [٥٣ \ ٣٧] ، وَقَوْلِهِ: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [٢ \ ١٢٤] ، وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ [٢١ \ ٥١] ، وَقَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [٦ \ ٧٥] ، وَقَوْلِهِ عَنْهُ: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [٦ \ ٧٩] ، وَقَوْلِهِ: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [٣ \ ٦٧] ، وَقَوْلِهِ: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [٣٧ \ ٨٣ - ٨٤] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعَانِيَ «الْأُمَّةِ» ، فِي الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً الْآيَةَ [١٦ \ ٢٢١] ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْحَسَنَةُ الَّتِي آتَاهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا: الذُّرِّيَّةُ الطَّيِّبَةُ، وَالثَّنَاءُ الْحَسَنُ. وَيُسْتَأْنَسُ لِهَذَا بِأَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ بِسَبَبِ إِخْلَاصِهِ لِلَّهِ، وَاعْتِزَالِهِ أَهْلَ الشِّرْكِ: الذُّرِّيَّةَ الطَّيِّبَةَ. وَأَشَارَ أَيْضًا لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ ثَنَاءً حَسَنًا بَاقِيًا فِي الدُّنْيَا ; قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [١٩ \ ٤٩ - ٥٠] ، وَقَالَ: وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [٢٩ \ ٢٧] ، وَقَالَ: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [٢٦ \ ٨٤] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute