للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبَكَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ طُمَأْنِينَةٍ لَهُ عَلَى إِيمَانِهِ بِأَنَّهُ آمَنَ بِكِتَابٍ تَضَمَّنَ الْكُتُبَ الْقَيِّمَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ، وَالَّتِي يَعْرِفُهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَنَّ الرَّجْمَ فِي التَّوْرَاةِ لَمَّا غَطَّاهَا الْآتِي بِهَا، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْقِصَّةِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ.

يُلَاحَظُ أَنَّ السُّورَةَ فِي أَوَّلِهَا عَنِ الْكُفَّارِ عُمُومًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مَعًا، وَهُنَا الْحَدِيثُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَطْ، وَذَلِكَ مِمَّا يَخُصُّهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ دُونَ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كُتَّابٍ، وَعِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا سَيَأْتِي بِهِ، وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [٢ \ ٨٩] .

وَكَقَوْلِهِ صَرَاحَةً: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ [٤٢ \ ١٤] ، فَلِمَعْرِفَتِهِمْ بِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِ، وَاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ بَعْدَ مَجِيئِهِ، وَخَصَّهُمْ هُنَا بِالذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ: وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ.

تَنْبِيهٌ

مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى «كُتُبٌ قَيِّمَةٌ» ، أَمْرَانِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ:

الْأَوَّلُ مِنْهَا: اخْتِصَاصُ أَهْلِ الْكِتَابِ هُنَا بِعَدَمِ عُمُومِ الْحَدِيثِ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ نُصُوصٍ.

الثَّانِي: أَنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا ذَكَرَ الرَّسُولَ يَتْلُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ [٦٢ \ ٢] ، فَهَذَا نَفْسُ الْأُسْلُوبِ، وَلَكِنْ قَالَ: «آيَاتِهِ» ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْمٌ بِالْكُتُبِ الْأُخْرَى، فَاقْتَصَرَ عَلَى الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ.

وَهَذَا لَا يَسْتَوْجِبُ التَّفَرُّقَ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَلَكِنَّ هُنَا لَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، هَلْ هُوَ فِي كُتُبِهِمُ السَّابِقَةِ، أَمْ فِي هَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ فِي صُحُفٍ مُطَهَّرَةٍ؟

وَقَدْ بَيَّنَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْ كُتُبِهِمْ وَالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>