للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا. مَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، مِنْ أَنَّ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ، يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُصَلُّونَ لَهُ، بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [٣٩ \ ٩] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [٣٢ \ ١٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [٥١ \ ١٦ - ١٨] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَبِيتُونَ، قَالَ الزَّجَّاجُ: بَاتَ الرَّجُلُ يَبِيتُ، إِذَا أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ، نَامَ أَوْ لَمْ يَنَمْ، قَالَ زُهَيْرٌ:

فَبِتْنَا قِيَامًا عِنْدَ رَأْسِ جَوَادِنَا ... يُزَاوِلُنَا عَنْ نَفْسِهِ وَنُزَاوِلُهْ

انْتَهَى بِوَاسِطَةِ نَقْلِ الْقُرْطُبِيِّ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا.

الْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: كَانَ غَرَامًا، أَيْ: كَانَ لَازِمًا دَائِمًا غَيْرَ مُفَارِقٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْغَرِيمُ لِمُلَازَمَتِهِ، وَيُقَالُ: فُلَانٌ مُغْرَمٌ بِكَذَا، أَيْ: لَازِمٌ لَهُ، مُولَعٌ بِهِ.

وَهَذَا الْمَعْنَى دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [٩ \ ٦٨] وَقَوْلِهِ: لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [٤٣ \ ٧٥] وَقَوْلِهِ: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا [٢٥ \ ٧٧] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [٧٨ \ ٣٠] وَقَوْلِهِ: لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ [٣ \ ٨٨] وَقَوْلِهِ: وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [٣٥ \ ٣٦] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [١٧ \ ٩٧] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [٤ \ ٥٦] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْغَرَامُ أَشَدُّ الْعَذَابِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْغَرَامُ الشَّرُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْهَلَاكُ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ. وَقَوْلُ الْأَعْشَى:

إِنْ يُعَاقِبْ يَكُنْ غَرَامًا وَإِنْ يُعْ ... طِ جَزِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>