للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي سُورَةِ «يُونُسَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ الْآيَةَ [٠١ \ ٦٩] ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ. قَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا [١٧ \ ٢٢] ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ أَنَّهُ يُخَاطِبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِطَابٍ لَا يُرِيدُ بِهِ نَفْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ التَّشْرِيعَ.

وَبَيَّنَّا أَنَّ مِنْ أَصْرَحِ الْآيَاتِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ الْآيَةَ [١٧ \ ٢٣] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ وَالِدَيْهِ قَدْ مَاتَا قَبْلَ نُزُولِ: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا، بِزَمَنٍ طَوِيلٍ، فَلَا وَجْهَ الْبَتَّةَ لِاشْتِرَاطِ بُلُوغِهِمَا، أَوْ بُلُوغِ أَحَدِهِمَا الْكِبَرَ عِنْدَهُ، بَلِ الْمُرَادُ تَشْرِيعُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ لِأُمَّتِهِ، بِخِطَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا، لِمَنْ يَصِحُّ خِطَابُهُ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، وَأَنَّهُ كَقَوْلِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ:

سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا

. . . . . . . . . . . . . خِلَافُ الصَّوَابِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَعْطُوفَاتِ، عَلَى قَوْلِهِ: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [١٧ \ ٢٣] ، ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْآيَةَ [١٧ \ ٣٩] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ: ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ خِطَابٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا تَرَى. وَذَكَرْنَا بَعْضَ الشَّوَاهِدِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى خِطَابِ الْإِنْسَانِ، مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِطَابِ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُهُ.

وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ، وَقَوْلِهِ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [٣٩ \ ٦٥] ، وَقَوْلِهِ: وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [٧٦ \ ٢٤] ، وَقَوْلِهِ: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [١٧ \ ٢٢] ، يُرَادُ بِهِ التَّشْرِيعُ لِأُمَّتِهِ ;

<<  <  ج: ص:  >  >>