وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ اللَّذَانِ تَضَمَّنَتْهُمَا هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ - قَدْ جَاءَا مُوَضَّحَيْنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
أَمَّا اخْتِصَاصُهُ هُوَ - جَلَّ وَعَلَا - بِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ، فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [٣ \ ١٣٥] . وَالْمَعْنَى لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي الْحَدِيثِ «رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ» الْحَدِيثَ. وَفِي حَدِيثِ سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ «وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ; فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ» .
وَوَجْهُ دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَغْفِرُ الذُّنُوبَ - هُوَ أَنَّ ضَمِيرَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ.
وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي: هُوَ تَوْكِيدُهُ - تَعَالَى - أَنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ; فَإِنَّهُ أَكَّدَ ذَلِكَ هُنَا بِحَرْفِ الِاسْتِفْتَاحِ الَّذِي هُوَ (أَلَا) ، وَحَرْفِ التَّوْكِيدِ الَّذِي هُوَ (إِنَّ) . وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [٣٩ \ ٥٣] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ الْآيَةَ [٢٠ \ ٨٢] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [٥٣ \ ٣٢] . وَقَوْلِهِ فِي الْكُفَّارِ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [٨ \ ٣٨] . وَقَوْلِهِ فِي الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ: أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [٥ \ ٧٤] . وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
فَنَرْجُو اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - الْكَرِيمَ الرَّءُوفَ الْغَفُورَ الرَّحِيمَ - أَنْ يَغْفِرَ لَنَا جَمِيعَ ذُنُوبِنَا، وَيَتَجَاوَزَ عَنْ جَمِيعِ سَيِّئَاتِنَا، وَيُدْخِلَنَا جَنَّتَهُ عَلَى مَا كَانَ مِنَّا، وَيَغْفِرَ لِإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ. أَيْ أَشْرَكُوا مَعَهُ شُرَكَاءَ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِهِ، كَمَا أَوْضَحَ - تَعَالَى - ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ [٣٩ \ ٣] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute