وَثُمَّ كَقَوْلِهِ هُنَا: أَفَمَنْ حَقَّ وَقَوْلَهُ: أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ.
أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْكَلَامَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ شَرْطِيَّةٌ، كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَصْلُ الْكَلَامِ: أَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، فَأَنْتِ تُنْقِذُهُ جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ، دَخَلَ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الْإِنْكَارِ، وَالْفَاءُ فَاءُ الْجَزَاءِ، ثُمَّ دَخَلَتِ الْفَاءُ الَّتِي فِي أَوَّلِهَا لِلْعَطْفِ عَلَى مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْخِطَابُ، تَقْدِيرُهُ: أَأَنْتَ مَالِكُ أَمْرِهِمْ، فَمِنْ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ فَأَنْتَ تُنْقِذُهُ، وَالْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الْأُولَى كُرِّرَتْ لِتَوْكِيدِ مَعْنَى الْإِنْكَارِ وَالِاسْتِبْعَادِ، وَوَضْعِ مَنْ فِي النَّارِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ، فَالْآيَةُ عَلَى هَذَا جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ كُلَّ الظُّهُورِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ يس فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ الْآيَةَ [٣٦ \ ٧] ، وَبَيَّنَّا دَلَالَةَ الْآيَاتِ عَلَى الْمُرَادِ بِكَلِمَةِ الْعَذَابِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ. مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ وَعْدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِالْغُرَفِ الْمَبْنِيَّةِ، ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ سَبَأٍ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [٣٤ \ ٣٧] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ الْآيَةَ [٩ \ ٧٢] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصَّفِّ: يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [٦١ \ ١٢] ، لِأَنَّ الْمَسَاكِنَ الطَّيِّبَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي التَّوْبَةِ وَالصَّفِّ صَادِقَةٌ بِالْغُرَفِ الْمَذْكُورَةِ فِي الزُّمَرِ وَسَبَأٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْ هَذَا فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا الْآيَةَ [٢٥ \ ٧٥] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ. الْيَنَابِيعُ: جَمْعُ يَنْبُوعٍ، وَهُوَ الْمَاءُ الْكَثِيرُ.
وَقَوْلُهُ: فَسَلَكَهُ أَيْ أَدْخَلَهُ، كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ بِشَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي سُورَةِ هُودٍ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ الْآيَةَ [١١ \ ٤٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute